7-

نحتاج لا شك هنا إلى الكلام عن البربر الذي شاغبوا الإسلام في شمال أفريقيا
وقاوموه بضراوة حين دخل إليهم أول مرة، ثم ما لبثوا أن صاروا من جنده الصادقين
وأبطاله الميامين، وقد قابلت في مدينة وجدة المغربية جملة من الأمازيغ الرائعين، ذوي الوعي
الإسلامي والحضاري، والغيرة على الدين، والدأب على خدمته...
والبربر هم الأمازيغ. ويفضل سكان شمال أفريقيا الأصليون تسمية الأمازيغ - التي
تعني الأحرار أو الأسياد - بدًلا من التسمية اليونانية البربر، التي تعني الأجانب..
والبربري في العامية المصرية هو الشخص شديد السواد، وقد اشتهر في مصر الممثل
علي الكسار، الذي حمل لقب: بربري مصر الوحيد.. والكلمة في العربية منقولة عن الجذر
وقد استعملها اللاتينيون لوصف كل الشعوب التي لا تتكلم Barbar اللاتيني الإغريقي
اللاتينية أو الإغريقية، اعتقادا منهم بتفوق الحضارة اليونانية والرومانية على كل
الحضارات. كما أن لقب البربر والبرابرة أطلقه الرومان أيضا على القبائل الجرمانية
والإنجليزية المتمردة عليهم أيضا.
وهم جنس بعضه عربي وبعضه أفريقي، فقد نفى العلامة ابن خلدون أن يكون كل
الأمازيغ ينتمون لبلاد اليمن أو المنطقة العربية. وقال ما مفاده أن كثرة الأمازيغ وقوة
انتشارهم في بلاد المغرب لا توحي بأم هاجروا إليها من المنطقة العربية. ورجح رأي
الكلبي القائل بأن قبيلتين فقط وهما كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر، وإنما هما من
شعوب اليمانية.
وتأتي عراقة الطوارق البربر بدو الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وسيرتهم المحمودة
- كما كتب مؤلف: الطوارق الملثمون: فرسان الصحراء الكبرى - من أخذهم لراية
التوحيد عندما عرفوا الإسلام، فنشروه في أنحاء الصحراء، ثم انطلقوا به شمالا إلى
الأندلس. ويذكر لهم وقفتهم القوية في وجه الاستعمار الفرنسي الذي اضطر لبناء حاميات
وقلاع في قلب الصحراء ليتحصن بداخله حيث منعهم الكبرياء الأمازيغي من الانصياع
لجبروت المستعمر فحظروا عليه التمتع بسحر صحرائهم.
بدأ الفتح العربي الإسلامي لشمالي إفريقيا في القرن السابع الميلادي، ولقي المسلمون
وكذا من الكاهنة المتهوِّدة Aksel Le Berbère مقاومة ضارية من القائد البربري كسيلة
ديهيا أو الداهية التي حاولت صد الزحف الإسلامي عام 688 م حين واجهت ببسالة
جيش حسان بن النعمان الغساني واضطرته إلى الانسحاب إلى طرابلس. وكانت تظن أن
القوات الإسلامية هي جماعات من البدو المغيرين الطامعين في الثروة، ولذلك قامت بحرق
المدن والحقول في إطار الاستراتيجية العسكرية بسياسة الأرض المحروقة. ولكن أفعالها
جعلت السكان يخرجون عليها وينفض أتباعها من حولها وينضمون تدريجيا إلى جيش
الإسلام، بعد أن أصبح كثير منهم مسلمين – كما كتب دكتور المسيري في موسوعته عن
اليهود واليهودية والصهيونية - وخلال القرن الثامن، انضم البربر المسلمون إلى العرب في
فتح أسبانيا، وكان منهم قادة بارزون مثل طريف بن مالك، ومثل رجلنا العظيم في هذه
الحلقة طارق بن زياد عليه رحمات الله..
وبعد عام 1050 م، سيطرت الإمبراطوريات التي يحكمها البربر على أجزاء كثيرة من
شمالي إفريقيا لمدة تقارب المائتي عام. وقد أسس بربر الصحراء إمبراطورية المرابطين
عام 1050 م وكانت سيطرت فى أوج ازدهارها على المناطق التي تعرف الآن باسم المغرب،
وغرب الجزائر، وجنوب أسبانيا. وفي نحو عام 1150 م، أطاح بربر الجبال بإمبراطورية
المرابطين وأسسوا إمبراطورية الموحدين التي سيطرت على المناطق التي تعرف الآن باسم
الجزائر والمغرب وتونس وأجزاء من أسبانيا.

8-
نحتاج لا شك هنا إلى الكلام عن البربر الذي شاغبوا الإسلام في شمال أفريقيا
وقاوموه بضراوة حين دخل إليهم أول مرة، ثم ما لبثوا أن صاروا من جنده الصادقين
وأبطاله الميامين، وقد قابلت في مدينة وجدة المغربية جملة من الأمازيغ الرائعين، ذوي الوعي
الإسلامي والحضاري، والغيرة على الدين، والدأب على خدمته...
والبربر هم الأمازيغ. ويفضل سكان شمال أفريقيا الأصليون تسمية الأمازيغ - التي
تعني الأحرار أو الأسياد - بدًلا من التسمية اليونانية البربر، التي تعني الأجانب..
والبربري في العامية المصرية هو الشخص شديد السواد، وقد اشتهر في مصر الممثل
علي الكسار، الذي حمل لقب: بربري مصر الوحيد.. والكلمة في العربية منقولة عن الجذر
وقد استعملها اللاتينيون لوصف كل الشعوب التي لا تتكلم Barbar اللاتيني الإغريقي
اللاتينية أو الإغريقية، اعتقا  دا منهم بتفوق الحضارة اليونانية والرومانية على كل
الحضارات. كما أن لقب البربر والبرابرة أطلقه الرومان أيضا على القبائل الجرمانية
والإنجليزية المتمردة عليهم أي  ضا.
وهم جنس بعضه عربي وبعضه أفريقي، فقد نفى العلامة ابن خلدون أن يكون كل
الأمازيغ ينتمون لبلاد اليمن أو المنطقة العربية. وقال ما مفاده أن كثرة الأمازيغ وقوة
انتشارهم في بلاد المغرب لا توحي بأم هاجروا إليها من المنطقة العربية. ورجح رأي
الكلبي القائل بأن قبيلتين فقط وهما كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر، وإنما هما من
شعوب اليمانية.
وتأتي عراقة الطوارق البربر بدو الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا وسيرم المحمودة
- كما كتب مؤلف: الطوارق الملثمون: فرسان الصحراء الكبرى - من أخذهم لراية
التوحيد عندما عرفوا الإسلام، فنشروه في أنحاء الصحراء، ثم انطلقوا به شمالا إلى
الأندلس. ويذكر لهم وقفتهم القوية في وجه الاستعمار الفرنسي الذي اضطر لبناء حاميات
وقلاع في قلب الصحراء ليتحصن بداخله حيث منعهم الكبرياء الأمازيغي من الانصياع
لجبروت المستعمر فحظروا عليه التمتع بسحر صحرائهم.
بدأ الفتح العربي الإسلامي لشمالي إفريقيا في القرن السابع الميلادي، ولقي المسلمون
وكذا من الكاهنة المتهوِّدة Aksel Le Berbère مقاومة ضارية من القائد البربري كسيلة
ديهيا أو الداهية التي حاولت صد الزحف الإسلامي عام 688 م حين واجهت ببسالة
جيش حسان بن النعمان الغساني واضطرته إلى الانسحاب إلى طرابلس. وكانت تظن أن
القوات الإسلامية هي جماعات من البدو المغيرين الطامعين في الثروة، ولذلك قامت بحرق
المدن والحقول في إطار الاستراتيجية العسكرية بسياسة الأرض المحروقة. ولكن أفعالها
جعلت السكان يخرجون عليها وينفض أتباعها من حولها وينضمون تدريجيا إلى جيش
الإسلام، بعد أن أصبح كثير منهم مسلمين – كما كتب دكتور المسيري في موسوعته عن
اليهود واليهودية والصهيونية - وخلال القرن الثامن، انضم البربر المسلمون إلى العرب في
فتح أسبانيا، وكان منهم قادة بارزون مثل طريف بن مالك، ومثل رجلنا العظيم في هذه
الحلقة طارق بن زياد عليه رحمات الله..
وبعد عام 1050 م، سيطرت الإمبراطوريات التي يحكمها البربر على أجزاء كثيرة من
شمالي إفريقيا لمدة تقارب المائتي عام. وقد أسس بربر الصحراء إمبراطورية المرابطين
عام 1050 م وكانت سيطرت فى أوج ازدهارها على المناطق التي تعرف الآن باسم المغرب،
وغرب الجزائر، وجنوب أسبانيا. وفي نحو عام 1150 م، أطاح بربر الجبال بإمبراطورية
المرابطين وأسسوا إمبراطورية الموحدين التي سيطرت على المناطق التي تعرف الآن باسم
الجزائر والمغرب وتونس وأجزاء من أسبانيا.

9-

أكذوبة زفرة العربي
قلت سابًقا إن التاريخ مليء بالأكاذيب المنمقة، التي تسري وتنتشر حتى يصدقها
الناس، وتتحول بقوة وضع اليد إلى حقيقة يخاف الباحثون أن يناقشوها أو يعرضوها على
عقولهم؛ بعد أن تحولت إلى مسلمة لا يمكن الطعن فيها..
لذا فمن المنطقي أن تعرض كل حادثة على سياقها التاريخي والمنطقي، وتدرس قرائنها
والمعطيات المحيطة بها؛ حتى نكون على بينة قبل القطع بقضية نظلم فيها أحدا أو جماعة أو
أمة.. أو نظلم حتى التاريخ ذاته.. وكم هو ظالم ومظلوم!
ومن الأكاذيب التي رأيت كثيرين يسلمون، ويوردوا في أشرطتهم وبحوثهم
ومواقعهم الإلكترونية.. حكاية صخرة بالأندلس زعموا أن آخر العرب المسلمين أبا عبد
الله الصغير وقف عليها، وألقى نظرة الوداع الأخيرة، وزفر زفرة موجعة تبعتها دموع
سخينة، أسًفا على الملك الضائع، والهوان الماثل، وكونه آخر ملك أندلسي يسجل بيديه
سقوط حضارة ماجدة، دامت قرونا كثيرة..
أي زفرة الموري (العربي (el último suspiro del Moro) وقد أطلق عليها الأسبان
المسلم) الأخيرة، الذي سّلم مفاتيح آخر دولة إسلامية أندلسية للملكين الكاثوليكيين
فرديناند وإيزابلا سنة 1492 م!
وقد تولى أبو عبد الله محمد بن نصر آخر ملوك المسلمين فى الأندلس عام ( 892 ه)
ويرى بعض المؤرخين أن من عوامل سقوط الأندلس: خيانة هذا الحاكم الذى باع كل
المثل من أجل أطماع شخصية، فحارب أباه من أجل الملك بعد أن أحس أن الأب يؤثر
أخاه محمد بن سعد المعروف بالزغل عليه، وبينما اتحد النصارى الإسبان حدثت الخلافات
والانشقاقات بين الأخوين، ولما تولى محمد بن سعد الحكم قام أخوه أبو عبد الله بالتعاون
مع الحاكم الصليبي فردينانز لإسقاطه حتى تم النصر للإسبان على أخيه، ثم إم توجهوا
إليه وسلبوا منه ملكه الذى ضيعه بخيانته، وسقطت غرناطة آخر ممالك المسلمين بالأندلس.
وبدأت عمليات للتنصير بالقوة والتعذيب للمسلمين الذين بقوا فى الأندلس بعد السقوط،
والذين عرفوا فيما بعد بالموريسكيين، انتقل بعد ذلك لفترة وجيزة إلى قصر له في
البوجراس بالأندلس، ثم رحل إلى المغرب الأقصى؛ فقد نزل في مدينة غساسة الأثرية في
إقليم الناظور. وايته أتت حين تقاتل مع قريب له يحكم فاس، وُقتل في تلك المعركة عام
.1527
كان من شروط الإستسلام أن يأمن الغرناطيون على أنفسهم وأموالهم ودينهم
كمدخرين، ولكن ما أن استقر لهم الحكم بعد مرور 9 سنوات على سقوط غرناطة نكث
فرديناند بالعهد وخير المسلمين إما إعتناق المسيحية وإما مغادرة اسبانيا، وكانت تلك هي
اية الأندلس/ عن موسوعة المعرفة.
وتعود قصته - كما يتداولها الإسبان وتبعهم المؤرخون العرب - إلى آخر ملوك بني
فبعد (el chico) الأحمر وهو أبو عبد الله محمد الصغير أو كما يسميه الأسبان الفرخ
موافقته المذلة على شروط الملك الأسباني فيرناندو ليعقد معه صلحا - بعد أن دخل الملك
الأسباني بقواته إلى غرناطة - استعد حينها للرحيل.
وفي اليوم الذي دخل فيه الأسبان غرناطة، غادر أبو عبد الله قصره، وموطن عزه،
ومجد آبائه، وتقدم نحو فرديناند وهو جالس على كرسيه، ومد إليه مفاتيح الحمراء قائلا
له: إن هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في إسبانيا، وقد أصبحت أيها الملك سيد
تراثنا وديارنا وأشخاصنا، هكذا قضى الله، فكن في ظفرك رحيما عادًلا!
ويقال بأنه ركع له ثم تقدم - صحبة فرديناند - نحو الملكة إيزابيلا لتحيتها، وغادر
المكان، وعندما أشرف في مسيره على منظر غرناطة امر دمعه وأجهش بالبكاء، فصاحت
به أمه (عائشة): أجل:

ابك كالنساء ملكا مضاعا ......لم تحافظ عليه مثل كالرجال!

وتقول إحدى الروايات إن أبا عبد الله رجا فرديناند أن يغلق الباب الذي خرج منه لآخر
مرة؛ حتى لا يجوزه من بعده إنسان.
لكن ما صحة هذه القصة المنسوبة لأبي عبد الله (رحمه الله)؟ وما الظروف التي شابت
انتقاله إلى المغرب؟ وما هي المعاملة التي تلّقاها هناك؟ ومتى توفي؟ وأين؟ وكيف؟ وما هي
الأكاذيب التي لفقها المؤرخون الأسبان لتشويه سيرته (رحمه الله)؟
هذا ما أجاب عنه الأستاذ هشام بن محمد المغربي من خلال تعريبه لحديث صحفي مع
Rafael أجراه معه رفائيل بيلتشيز Leonardo Villena الباحث الإسباني ليوناردو بيلينا
الذي ألف Un bulo para poder في مقال بعنوان: كذبة لتلميع الصورة Vilchez
كتابا ينفي فيها الباحث - وهو إسباني - حدوث هذه القصة، ويعتبرها أكذوبة لفقها
الإسبان المنتصرون، في إطار تحقير الأندلسيين، وتعظيم انتصارهم عليهم.. قال المغربي:
مؤخرا كتابه: الزفرة الأخيرة للملك أبي عبد Leonardo Villena قدم ليوناردو بيلينا
يتألف الكتاب من 190 صفحة، و ّ تم El ultimo suspiro del rey Boabdil. الله
وفي هذا الكتاب يؤكد المؤلف على ، Duclinea بمطبعة دوكلينيا Lecrin طبعه بلوكرين
أن (زفرة أبي عبد الله الأخيرة) ليست سوى اختراع من طرف الأسقف أنطونيو جيفارا
للحصول على مصداقية يتنفذ ا لدى الإمبراطور شارل الخامس. Antonio Guevara
الأستاذ والكاتب ليوناردو بيلينا بين أن سيرة أبي عبد الله وسيرة جزء من عائلته
أغلبها مملوء بالتحريفات المتعمدة. فليس هناك شك في أن فاطمة هي زوجة أبي الحسن (
وهي أم أبي عبد الله الأحمر وليست عائشة أمه) و أما كانا أبوين، لكن ليس أكثر.
نقطة ثانية مهمة هي أن أبا عبدالله لم يمر عبر الطريق القديم بين غرناطة ومتريل (وهو
الذي نسبت إليه القصة، حيث الصخرة، وحيث تنسب الزفرة)! فحسب الكاتب: توّقف
من Pedul أبو عبد الله مرة واحدة لمشاهدة غرناطة من بعض المرتفعات الجبلية للبدول
. Alpujjara باب المنار، لأنه من هنا أخذ يتفكر في طريق البشرات
وأبرز بيلينا أن أبا عبد الله لم يبك عندما غادر غرناطة، ولم تقل له أمه المقالة المشهورة:
ابك كالنساء ملكا مضاعا .....لم تحافظ عليه مثل كالرجال!
فهذا كله اختراع وأكذوبة لفقها المؤرخ أنطونيو دي غيفارا، أسقف قادش
وذلك في صيف 1526 ، حيث أراد تلميع صورته في أعين Mondonedo وموندونييدو
الإمبراطور شارل الخامس الذي كان في غرناطة لقضاء عطلة شهر العسل، بعد زواجه من
إيزابيلا البرتغالية. Lafuente Alcantara وحسب بيلينا: (هناك مؤرخ آخر اسمه كلفوينتي القنطرة
سقط في أخطاء مماثلة، عندما أ ّ كد أن وفاة أبي عبد الله كانت سنة 1513 م في معركة
أو معركة وادي الأسود سنة 1536 م. وقد أعطى هذا Guadal Hewit وادي العبيد
وغيره من المؤرخين أرقاما تقديرية للقوات التي شاركت مع كل طرف من المتحاربين.
إحدى هذه المعارك حدثت في منطقة قريبة من إقليمي هسكورة وتادلة، حيث يندمج
وادي العبيد بوادي أم الربيع. وقد بين التاريخ أنه لم يمت في هذه المعركة؛ لأنه لو اعتمدنا
على روايات تاريخية محترمة كروايات المسلمين فإن أبا عبد الله مات بمترله وحوله أبناؤه
سنة 1533 م. عن عمر يناهز السبعين سنة.
صاحب Torres وأ ّ كد بيلينا كذلك أن: (لافوينتي القنطرة، باتباعه للمؤرخ توريس
كتاب (تاريخ الشرفاء) أ ّ كد أن سلطان فاس خلال هذه الفترة كان من بني مرين، بينما
الحقيقة أن الوطاسيين أزاحوا المرينيين من السلطنة سنة 1472 م. بالإضافة إلى ذلك، فلا
في Luis de marmol carvajal يصح ما قاله المؤرخ لويس دي مارمول كارباخال
كتابه المسمى تاريخ الثورة وعقاب المورسكيين، الذي اعتبر فيه أن سلطان فاس اعتقل أبا
عبد الله، فأعماه، وكبله بالأغلال حتى يسرق ثروته، ثم تركه يتسول في الشوارع.
وختم ليوناردو بيلينا قائلا: (وأقول أن هذا غير صحيح - مؤ ّ كدا - لأنه في معركة
وادي الأسود، سنة 1536 م، غلب الإخوة الشرفاء الوطاسيين. لكنهم لم يحتلوا المدينة
الإمبراطورية فاس إلا سنة 1554 م، وواضح أنه خلال هذا التاريخ كان أبو عبد الله
مدفونا بجانب والدته.
وفي السياق نفسه ينكر محيي الدين اللاذقاني في الشرق الأوسط هذه القصة، ويرى
أن الرجل قاتل بشرف، وحث الرجل على القتال، وقاتل كالرجال. ورأى أنه لا معنى
ابك مثل النساء ملكا...لم تحافظ عليه » : لتلك العبارة الجارحة التي تجدها في كل مكان
التي يزعمون أن عائشة الحرة أمه قالتها، وشكك الشاعر أراغون في « مثل الرجال
فلا الظرف ولا أسلوب الخروج يسمحان بعبارة من هذا النوع الرجيم. « مجنون إلزا »
وإن كان لا بد من بكاء فعائشة الحرة أحق وأحرى أن تبكي لأا هي التي حكمت،
ولم يكن ذلك الملك المسكين إلا ضحية لطموحها السياسي ومطامعها؛ لأا وظفته منذ
كان طفلا أداة من أدوات صراعها مع ضرتها الثريا. ولما قاتل في شبابه الأول وأسره
فرديناند ألزمته بالتحالف معه، ثم فضت الحلف نيابة عنه، فلما صار أبو عبد الله حاكما
فعليا لم يجد حوله غير أهل البيازين الحزب المتحمس للملكة الأم.
وما الوقت وقت محاكمة الأم ولا ابنها فقد فات الأوان، وأصدر التاريخ حكمه
القاطع بتحميل فرد واحد مسؤولية انكسار أمة كاملة، ولولا هذه الرسالة اليتيمة التي
ترينا الوجه المقاتل للملك المهزوم لظنناه كأسلافه يعاقر الخمرة وينادم الجواري والخصيان،
بينما الغزاة على أبواب قصره، وما كان خلف أبي عبد الله من العرب إلا حفنة تقاتل
عكس اتجاه التاريخ حتى لا يقال إنها سلمت دون قتال.
لقد كان سقوط غرناطة نتيجة طبيعية لايار دولة المرينيين التي كانت تمدها بالمؤنة
والجند وأسباب البقاء، فلما زال الأصل سهل القضاء على الفرع، وكانت الممالك
أن ملك The Moors in Spain الاسلامية تتفرج كعادتها فبول لين يخبرنا في كتاب
غرناطة النصري كان قبل ازامه يستصرخ ويطلب النجدات من القاهرة ومن العثمانيين
القوة الصاعدة آنذاك في الآستانة وقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن..
لقد خان هذا الملك المظلوم كل شيء حتى موته كما نص على ذلك محقا "آنطونيو
وكان التاريخ أكثر ظلما له من الكائنات. وهل التاريخ « المخطوط القرمزي » جالا" في
كما يقول كارنو: إلا تضييع دائم للحقيقة؟! أم لعل هذا التاريخ مهرج كبير يمد لسانه
على وجه الخصوص للعرب الذين جعل أكبر هزائمهم في تلك البقاع تقع في مثل هذه
الأيام على يد بني نصر في غرناطة.
وفي السياق الدفاعي نفسه يسأل الدكتور حسن مدن في مقال له: هل كان بوسع
مدينة ساقطة حك  ما - من وجهة نظر عسكرية - أن تقاوم، فيما أهلها يدركون أن هذه
المقاومة لن تؤول إلى نصر، بل إلى مزيد من الخسائر؟
مؤلفة أسبانية الجنسية، شأن مؤلف "المخطط القرمزي"، وضعت كتابا عن
"الموريسكيين الأندلسيين" جمعت فيه كل ما وقع تحت يديها من وثائق تتصل هذه المسألة،
دف وضع قاعدة بيانات لتقصي أحوال العرب والمسلمين الذين ظلوا في الأندلس بعد
سقوط الحكم الإسلامي فيها.
ومن بين الوثائق التي نشرتها المؤلفة الأسبانية مرثيدس غارثيا أرنيال اتفاقية تسليم
غرناطة. والقارئ المتمعن لبنود هذه الاتفاقية يمكن أن يرى الوجه الآخر، لعله الوجه
الحقيقي لأبي عبد الله الصغير، الذي يظهره كمفاوض كفء وصلب في ظل ميزان قوى
مختل لغير صالحه.
وبوسع الدارس الفاحص أن يعقد مقارنة بين الطريقة التي تفاوض ووقع بعض
المفاوضين العرب في زمننا، الذين بصموا على أفخاخ، وبين الوثيقة التي وقعها أبو عبدالله
الصغير قبل أكثر من خمسة قرون، ومن موقع الهزيمة، ليلاحظ الفروق. العودة إلى الوثائق
التاريخية المتصلة بالشأن الأندلسي، ضرورية من أجل ألا تتواتر الروايات التاريخية الخاطئة،
وأن يصار إلى تدقيق الوقائع من مصادرها.