هذه مقتطفات من كتاب ( الأندلسي ) الذي أرسل ملفه لي مشكورا أستاذي د. محمد جمال صقر :


1-
وتبدأ حكاية عبد الرحمن هذا في الفترة الحرجة التي كان العباسيون فيها يجهضون
دولة الأمويين، ويجتهدون في إسقاطها.. وكانوا يطلبون رؤوس القادة والشبان الأمويين
البارزين ليتخلصوا منهم، ويستريحوا من من مناوتهم المحتملة.. وكان من هؤلاء الشاب القوي
الأمير عبد الرحمن بن معاوية، الذي كان سنه آنذاك في سن طالب في الثانوية العامة، لا
ورِوِش Cool يخجل في أيامنا أن يمص مصاصة، ويحلق كابوريا، ويقطع بنطلونه حتى يكون
وابن ستين في سبعين! لكن عبد الرحمن الداخل كان ذا همة أخرى!
**
2-
لكن أول حاكم عربي عرف بالصقر على الإطلاق هو الفاتح الأموي العظيم عبد
الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان المولود في دمشق سنة 113 ه،
والذي عرف باسم: عبد الرحمن الداخل، وصقر قريش.

وهو اللقب الذي لقبه به الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور رحمهما الله تعالى، حين
كان جالسا مع خاصته ذات يوم، فسألهم عن صقر قريش، فأجاب (الطبالون من بطانته):
هو أنت، قال لا.. فقالوا: هو معاوية، قال لا.. هو عبد الملك بن مروان/ هو فلان...
فقال:
لا... بل هو عبد الرحمن بن معاوية: دخل الأندلس منفردا بنفسه، مؤيدا برأيه،
مستصحبا لعزمه، يعبر القفر، ويركب البحر، حتى دخل بلدا أعجميا؛ فم صر الأمصار،
وجند الأجناد، وأقام مل ً كا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة عزمه.. والفضل ما شهد به
الخصوم!
**
3-
المدهش في هذ الشاب العجيب أخلاقه وشاعريته ورؤيته الحضارية - رغم قوة
قبضته - فقد دخل عبد الرحمن إلى الأندلس سنة 138 ه وعمره خمسة وعشرون عاما..
سن طالب جامعي من أبنائنا الآن.. وبلغت مدة حكمه ثلاًثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر. .
وحين جاءته المنية في سنة 172 ه كان قد بلغ التاسعة والخمسين من العمر
**
4- فمن شعره، في أول نزوله بمنية الرصافة، قوله في نخلة نظر إليها، فهاجت
شجنه، وتذكر وطنه:

تبدت لنا وسط الرصافة نخلٌةٌ ......تناءت بأرض الغربِ عن بلد النخلِ
فقلت شبيهي في التغرب والنوى ....وطولِ التنائي عن بني وعن أهلي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبة .....فمثلُكِ في الإقصاءِ والمنتأى مثلي
سَقتكِ غوادي اُلمزنِ من صوبها الذي ....يسح ويستمري السماكين بالوبل

5-
ففي رمضان سنة 91 ه 710 م كان عبور سرِية القائد البربري أبي ز رعة َ طريف بن
مالك، لقيادة الحملة الاستكشافية، من سبتة بالمغرب إلى الأندلس، في خمسمائة جندي،
فيهم مائة فارس؛ لاستجلاء أرض الأسبان، فعبرت السرية البحر، ونزلت في منطقة سميت
بعد ذلك بجزيرة طريف، نسبة إلى قائد الحملة، وقد تكررت هذه الظاهرة فيما بعد تسمية
المواقع الأندلسية بأسماء القادة، أو بتسميات عربية لا يزال كثير منها باقيا حتى اليوم،
وجاست الحملة خلال الجزيرة الخضراء، وغنمت كثيرا، ودرست أحوال إسبانيا، ثم قفلت
راجعة إلى المغرب، ليعبر بعدها القائد الفاتح طارق بجيشه في الخامس من رجب سنة
92 ه 711 م، حيث جرت معركة الفتح العظيم الكبرى في رمضان منها.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
ووقعت معركة وادي البرباط التي قادها الفاتح البربري العظيم طارق بن زياد يوم
711 م، وهي المعركة الفاصلة التي جرت مع الجيش /7/ الأحد 28 رمضان سنة 92 ه 17
الُقوطي في جنوبي إسبانيا. ولطارق رحمه الله معنا تأتي وقفة متأملة.
إلى الأندلس بجيش فاتح، نجدًة « موسى بن نصير» وكان عبور القائد العربي المسلم
لطارق بن زياد، بثمانية عشر ألف جندي، في رمضان سنة 93 ه يونيو 712 م. وهو الذي
قال في عزم لما رأى استعصاء بعض القلاع الإسبانية: وايم الله لا أريد هذه القلاع والجبال
الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو
يحكم الله لي، وهو خير الحاكمين!

6-
وجرت معركة بلاط الشهداء تور - بواتييه
سنة 114 ه أكتوبر ونوفمبر 732 م واستم ر عشرة أيام. وانكسر فيها المسلمون،
وتبخر حلمهم في أسلمة وتعريب دول البحر الأبيض كلها. وقد تضافرت عوامل كثيرة
في هذه النتيجة المخزية - كما يقول المؤرخ الرائع أحمد تمام رحمه الله تعالى - منها أن
المسلمين قطعوا آلاف الأميال منذ خروجهم من الأندلس، وأكتهم الحروب المتصلة في
فرنسا، وأرهقهم السير والحركة، وطوال هذا المسير لم يصلهم مدد يجدد حيوية الجيش
ويعينه على مهمته، فالشقة بعيدة بينهم وبين مركز الخلافة في دمشق، فكانوا في سيرهم في
نواحي فرنسا أقرب إلى قصص الأساطير منها إلى حوادث التاريخ، ولم يمكن لقرطبة
عاصمة الأندلس معاونة الجيش؛ لأن كثيرا من العرب الفاتحين تفرقوا في نواحيها.




وللموضوع بقية بإذن الله.