لأستاذي غالب الغول فضل جذب انتباهي لدور النبر في مجال الشعر.
وأعترف بقصور إحساسي به مع فهمي لموقعه من وجهة نظر أستاذي الكريم أي السبب السابق للوتد.

اطلعت على هذا الموضوع ورأيت فيه رأيا في النبر الشعري مختلفا عن رأي أستاذنا فرأيت طرحه إثراء للموضوع. لاسيما وأن بعض المشاركين وجه لي أسئلة حول النبر الشعري وجهتهم فيها لأستاذي غالب الغول ليأخذوا العلم من مصدره.

أقترح أن يقرأ هذا الموضوع مع ( منهج الأستاذ غالب الغول ) :

http://arood.com/vb/showthread.php?p=32685#post32685

--------------------

مقتطف من الرابط:

http://www.alukah.net/Publications_Competitions/0/6355/

من قضايا النبر في العربية**
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)


مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فإنَّ قضيَّة النبر من القضايا الشَّائكة التي اختلف حولها الباحثون اختلافًا بيِّنًا، فمِنْهم من يعترف بوجود النبر في اللغة العربية ويقرُّ بتأثيره في مستوياتها[1]، ومنهم من ينكر تأثيره[2]، ومنهم من يحدُّ من تأثيره، فيقصره على بعض مستويات اللغة فقط[3].

وقد وفَّقني الله - في بحثي للماجستير - إلى استنباط صيغ هادية لمواضع النبر في الكلام، وأثبتُّ من خلالِها دور النبر في اللغة العربية، وتأثيره في مستوياتها إيجابًا وسلبًا عن طريق دراسة الآثار الصرفية والنحوية والدلالية للأداء النطقي للقرآن الكريم، فقارنتُ بين الأداء القرآني المستقيم بوضع النبر في موضعه، والأداء غير المستقيم بوضع النبر في غير موضعه، مبرزًا الآثار الصرفيَّة والنحويَّة والدلاليَّة لكل أداء.

وهناك قضيَّة أخرى تتَّصل بالنبر في اللغة العربية، وتختلف عن القضايا التي اهتمَّ بها هذا البحث سالف الذِّكر، وهي قضية ما يسمى "نبر الشعر"، فقد أُثير حولها اختلاف بين الدارسين نجم عنه كثيرٌ من التساؤلات، التي تأتي قضايا متفرِّعة عن القضية الأساسية.

وقبل عرض هذه القضية وما تفرَّع عنها من قضايا، أودُّ أن أعرِّف بصيغة واحدة من صيغ "الميزان النبري"، التي استنبطها بحث الماجستير الذي أشرتُ إليه؛ لأنَّ تلك الصيغ بمثابة أدوات تكشف مواضع الضغط ومواضع عدم الضغط في الكلام[4].

وقد رمزت للحرف المنبور في الصيغ المقترحة بـ"=" شرطتين تحت الحرف؛ كالتنوين في حالة الجر، والحرف الذي تخلو حركته من هذا الضَّغط الملحوظ رمزتُ له بـ"-" شرطة واحدة تحت الحرف كالكسرة، وقد جاءت هذه الرموز مرتبِطة بالصيغ المقترحة، أي: بـ"الميزان النبري" لا بالكلِمات المراد وزنها نبريًّا، حتى لا يحدث لبس بين الكسر أو التنوين المرتبط بالموقع الإعرابي للكلِمة وبين رموز الضغط وعدمه.

وإليك إحدى هذه الصيغ:
- صيغة "فَعِل" وطرق أدائها[5]:
هي صيغة بالنسبة للشكل، وصيغتان بالنسبة للنطق، فالصيغتان تتحكمان في هذا التتابع " - - ه": حركة فحركة فسكون؛ أي: في الوتِد المجموع بلغة العروضيِّين، ويخص الأولى منهما (صيغة عدم الضغط) هذا التتابع "- -" حركتان، ويخص الأخيرة منهما (صيغة الضغط) هذا التتابع "- - ه ه"[6]: حركتان فساكنان في حالة ما إذا كان الحرف الأخير مشدَّدًا، أو توالى ساكنان في آخر الكلِمة.

فصيغة "فِعِل" تنطق بعدم الضغط على الحركتين مثل "أجدْ، وهبْ" فعل ماض، وصيغة "فِعِل" تنطق بالضغط على الحركتين، مثل "أجدّ، وهبْ": الواو + هب - فعل أمر - ويلاحظ أن الضَّغط على "عل" يكون أقوى[7].
ويستطيع الناطق أن يفرق بين الصيغتين بسهولة، إذا قارن بين أداء كل منهما، والصَّوت الذي نسمعه وندركه جميعًا للقطار المسرع نتيجةً لالتحام عجلاته بالقضبان، فيوجد نغمتان تنتجان عن هذا الالتحام، يمكن أن أعبر عنهما بـ"تِتِك""تٍتٍك"، فهذه النغمة هي نفسها المفرقة بين "فِعِل" و"فٍعٍل".

وهناك أثران مباشران للنَّبر يتمثلان في:
1- إطالة الحركة القصيرة.
2- تشديد الحرف المخفف.

والعكس صحيح، فهناك أثران مباشِران لعدم النَّبر، يتمثلان في:
1- تقصير الحركة الطويلة.
2- تخفيف الحرف المشدَّد[8].

نعود إلى قضيَّة ما يُسمَّى "نبر الشعر"، وقد أُثير حولها اختلاف بين الدَّارسين نتج عنه كثيرٌ من التَّساؤلات التي تأتي قضايا متفرِّعة عن القضيَّة الأساسيَّة، وهذه التَّساؤلات هي:
1- هل يوجد ما يسمَّى نبر الشعر؟[9]
2- هل يقوم الشعر العربي على أساس كمِّي، أم يقوم على أساس نبري، أم يعتمد على الكم والنبر؟[10]
3- هل يوجد فرق بين قواعد النبر اللغوي وقواعد النبر الشعري؟[11]
4- هل يلتزم النبر موضِعًا واحدًا في كلِّ تفعيلةٍ من تفعيلات البحور، أو يَمتلك حرِّيَّة بحيث يقع في مواضع متعددة؟[12]
5- وهو تساؤل متفرِّع عن التَّساؤلات السَّابقة: إذا كان ما يسمَّى "نبر الشعر"، فما قواعده؟
6- هل للنَّبر دور في تفسير ظاهرتي الزِّحَاف والعلَّة؟[13] وهل هناك دلائل مادِّيَّة صرفيَّة ونحويَّة تثبت هذا الدَّور - إن وُجد - أو تنفيه إن لم يوجد؟
7- هل يوجد قرائن مادِّيَّة صرفيَّة ونحويَّة ودلاليَّة تؤكد وجود النبر في موضع ما، أو تنفي وجوده في موضع آخر؟[14]

وأكثر هذه القضايا - إن لم يكن كلها - قد اختلف حولها الدَّارسون، وأهم ما يلفت النظر في هذه القضايا أنَّ الذين تصدَّوا لوضع قواعد لمواضع النَّبر الشعري لم يتَّفق أحدُهم مع الآخر اتِّفاقًا تامًّا على الأقل، كما لم يستنِد أحدهم عند وضع قوانينه إلى دلائل مادِّيَّة واضحة تؤيِّد قوانينه، والدَّلائل المادية - من وجهة نظري - تتمثَّل في المعطيات العروضية والمعجمية والصرفية والنحوية، التي قد تدعم وجهة نظرٍ ما في وضع النَّبر على حركة معيَّنة، كما قد تدحض وجهة نظر أخرى في وضع النبر على موضعٍ آخَر.

معنى هذا أنَّ العروض والمعجم والصَّرف والنَّحو يُعد كلٌّ منها بمثابة الحاكِم العادل، الذي يؤكد وجود نبرٍ في موضع ما، أو ينفي ذلك عندما يرى أنَّ وجود النبر في هذا الموضع يؤدِّي إلى التباس، أو إخلال بفصاحة أداء الكلام.

فأكثر الدارسين لنبر الشِّعْر المتصدِّين لوضع قوانين لذلك النبر وَضَع النبر في موضوع معين في كل تفعيلة[15]، أو على أحد المكونات الأساسية للتفعيلات، ودفعهم هذا في كثير من الأحْيان إلى غضِّ النظر عن اللغة الواقعة في إطار التفعيلات، مع إغْفالهم للمعْطيات الصرفيَّة والنحويَّة التي قد تحسم القضية بوجود النَّبر على موضعٍ ما، وعدم وجودِه على موضعٍ آخر.

فـ "لا يُمكن اعتِبار التَّفعيلات التي تقوم على أُسُس مِن توالي مقاطع لها كمٌّ محدَّد - أساسًا لنضع عليْه قواعد النَّبر؛ لأنَّ هذه التَّفعيلات لا تسلم من التَّغيُّرات الكمِّيَّة التي أباحها الخليل (مثل الزحافات والعلل)، والتي لم يُبِحْها (مثل اجتماع الزِّحافات في مواضعَ غير جائزة عند العروضيِّين)، وهذه التغيُّرات الكمِّيَّة تؤثر بالضَّرورة على مواضع النبر[16].

وجهة نظر:
وإليك إحدى وجهات النَّظر التي تضع النَّبر على جزء معين من كل تفعيلة، أو على مكون أساسي من مكونات الوزْن العروضي، وسيحتكم البحث إلى النَّماذج التطبيقيَّة من الشِّعْر العربي، وإلى المعْطيات الصرفيَّة والنَّحويَّة لإثْبات وجْهة النَّظر أو نفْيِها.

يرى "فايل" أنَّ الوتِد المجموع هو حامل النبر[17]؛ لأنَّه يكوِّن اللبَّ الإيقاعيَّ للوزْن[18].

نعم، يلعب الوتِد دورًا رئيسًا في تفعيلات الشعر؛ حيثُ لا تخلو منه تفعيلة صحيحة، ولكن هل يعني هذا أنَّ الوتِد هو دائمًا حامل النبر؟

الواقع الشعْري ينفي هذا بشدَّة، مستندًا إلى معطيات الوزن العروضي والصَّرف والنَّحو والدّلالة، وإليك بعضَ النماذج التي تؤكِّد هذا:

يقول عمر بن أبي ربيعة في مطلع قصيدتِه:

لَيْتَ هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ وَشَفَتْ أَنْفُسَنَا مِمَّا نَجِدْ[19]
فالبيت من الرَّمَل التَّام: العروض محذوفة والضَّرب كذلك.
عروضه: ما تعد وضربه: ما نجد
فاعلن فاعلن

والنطق السليم للوتِد المجموع "تعد" و"نجدْ" يكون بعدَم الضَّغط على حركة التاء وحركة العين من "تعد"، وعدم الضَّغط على حركة النُّون وحركة الجيم من "نجد"، فتنطقان كصيغة "فِعِل"، ويُحتكم في ذلك إلى:
1- المستوى العروضي: حيثُ يقضي بأنَّ "تعد" و"نجد" كل منهما يساوي وتدًا مجموعًا "- - ه"، ويُكونان مع "ما" عروض البيت وضربه "فاعلن"، فهما محذوفان.
2- على المستوى المعجمي: "تعد" يُكشف عنه في مادة: "و ع د"، و"نجد" يُكشف عنه في مادة: "و ج د".
3- المستوى الصرفي: "تعد": فعل ثلاثي مجرَّد، معتل مثال، محذوف الفاء في المضارع مكسور العين ووزنه "تعِل"، وكذلك "نجد": ووزنه "نعِل".
4- على المستوى النحوي: تعد: فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هي" يعود على "هند" وقد حُذف مفعولا "تعد"، والتقدير "ما تعدناه، أو تعدنا إيَّاه"، والضمير المنفصل هو العائد على اسم الموصول "ما"، و"نجد" فعل مضارع مرفوع[20]، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن".
5- على المستوى الدلالي: يتمنَّى الشاعر لو تَفِي محبوبتُه هند بما وعدتْه به؛ حتى تَشفِيَ نفسَه مما تعاني من لوعة انتِظار الوفاء بالعهد.

هكذا نجد المعطيات العروضيَّة والصرفية والنحويَّة تؤكِّد أنَّ النُّطق المستقيم للوتِد هنا يكون بعدم الضَّغط على حركتيْه.

أمَّا إذا حكَّمنا قواعد فايل فسينطق البيت هكذا:

لَيْتَ هندًا أَنْجَزتَنْا مَا تَعِدّ وَشَفَتْ أَنْفُسَنَا مِمَّا نَجِدّ
بالضَّغط على حركة التَّاء وحركة العين من "تعد"، وحركة النون وحركة الجيم من "نجد"، كصيغة "فٍعٍل"[21]، وهذا يؤدِّي إلى إخْلال وفساد يشمل جميع المستويات كالتَّالي:
1- على المستوى العروضي: وزن كلٍّ من "تعدّ" و"نجدّ" "- - خ خ"، ويُكوِّنان مع "ما" "فاعلان"، فكأنَّ التفعيلة أصابَها "القصر"، وهو حذف ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه.
2- على المستوى المعجمي: "تعِدّ": لا وجود له في المعاجم؛ لأن الموجود في المعاجم العربية: "عدَّ يعُدّ"، و"نجد" يُكشف عنه في مادة "ج د د".
3- على المستوى الصرفي: "تعِدّ": فعل ثلاثي، صحيح مضعف، على وزن "تفعِل" "نجدّ" فعل ثلاثي، صحيح مضعف، على وزن "نفعِل".
4- على المستوى النحوي: "تعدّ" فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هي"، والمفعول به محذوف والتقدير "تعده"[22]، و"نجدّ" فعل مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن"، وهناك حذف للجار والمجرور المتعلقان بـ"نجد" والتقدير "نجدُّ فيه" والهاء عائد على اسم الموصول.
5- على المستوى الدلالي: فسد معنى البيت، فكأنَّ الشاعر يتمنى لو وفّت هند بما تقوم بِعَدِّه، وبرئت نفسه من الاجتهاد والجِدِّ.

هكذا نجد المعطيات العروضية والمعجمية، والصرفية والنحوية، والدلالية - تنفي وجهة نظر "فايل" أنَّ الوتد المجموع هو حامل النبر دائمًا، فاتِّباع رأي فايل هنا يؤدي إلى:
1- التباس العروض والضرب المحذوفين بالعروض والضرب المقصورين.
2- التباس مادة "وعد" بمادة "عدد", ومادة "وجد" بمادة "جدد".
3- التباس الفعل المثال بالفعل المضعف، حيث يلتبس "تعد" بـ"تعدّ", و"نجد" بـ"نجدّ".
4- التباس الفعل المتعدي لمفعولين بالفعل المتعدي لمفعول واحد.
5- الالتباس في تقدير المحذوف.
6- التباس المعنى.

يقول المتنبي:

وَأَنِّي وَفَيْتُ وأَنِّي أَبَيْتُ وأَنِّي عَتَوْتُ عَلَى مَنْ عَتَا[23]
فالبيت من المتقارب، وعروضُه "أبيتُ" "فعولُ"، وهي صحيحة؛ لأنَّ حذف الخامس الساكن في عروض المتقارب غير لازم، وضربُه "عتا" "فعو" محذوف، وبناءً على رأْي "فايل" ينبغي أن يُنبَر الوتِد المجموع: "عتا" كصيغة "فٍعٍل"، والأداءُ المستقيم للفِعْل "عتا" يقضي بعدم نبر الحركتين، فينطق كصيغة "فِعِل"، ويؤكِّد هذا المعطيات العروضيَّة والصرفيَّة والنحويَّة والدلاليَّة كالتَّالي:
1- على المستوى العروضي: "عتا": يتكوَّن من وتد مجموع "- - ه"، فالضَّرب محذوف.
2- على المستوى الصرفي: "عتا": فعل ثلاثي مجرد، معتل ناقص، على وزن "فعَل"، وهو فعل لازم - لم تتدخل وسيلة صرفيَّة لتعْديته - أو متعدٍّ بواسطة حرف الجر.
3- على المستوى النحوي: "عتا": فعل ماض مبني على الفتح المقدَّر منع من ظهوره التعذُّر، والفاعل ضمير مستتِر تقديره "هو" يعود على اسم الموصول "مَن"، وهناك جار ومجرور محذوف والتقدير "عتا عليّ".
4- على المستوى الدلالي: هذا البيت من قصيدة يهجو فيها المتنبي "كافورًا"، فيصف المتنبي نفسه بالوفاء والإباء، وأنَّه يستكبر على من يتكبَّر.

أما إذا نُبر "عتا" كصيغة "فٍعٍل" فإنَّ هذا يؤدي إلى فساد؛ لأنَّ الضغط على حركة العين وحركة التاء يوهم وجود هاء، فتنطق كأنَّها "عتاه"، خاصَّة أنَّ الهاء حرف ضعيف من حيث المخرج والصفات، فهو يخرج من أقصى الحلْق، ويحصل على جميع الصفات الضعيفة من همس، ورخاوة، واستفال، وانفتاح، بالإضافة إلى صفة الخفاء التي تعني خفاء صوت الحرف، وقد سُميت الهاء بذلك؛ "لأنها تخفي في اللفظ إذا اندرجت بعد حرف قبلها"[24].

لذا فالضَّغط على حركة العين وحركة التَّاء من "عتا" يوهم بوجود الهاء أدائيًّا، وهذا يؤدي إلى فسادٍ كالتَّالي:
1- على المستوى العروضي: بهذا الأداء يصبح وزن "عتاه" "فعولْ"، فيتوهَّم كون الضرب مقصورًا.
2- على المستوى الصرفي: "عتا": فعل ثلاثي مجرَّد، معتلّ ناقص، على وزن "فعَل"، وقد تعدى بنفسه دون تدخل وسيلة صرفية مؤدية إلى ذلك.
3- على المستوى النحوي: "عتا": فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذُّر، والفاعل: ضمير مستتِر تقديره "هو"، و"الهاء": ضمير مبني في محلِّ نصب على المفعوليَّة.
4- على المستوى الدلالي: أصبح المعنى أنَّ المتنبيَّ يستكْبِر على مَن يتكبَّر على مجهول، فالضمير الغائب هنا لا يُعرف العائد عليه.

هكذا نجد المعطيات العروضيَّة والصرفيَّة والنحويَّة والدلاليَّة تنفي وجهة نظر "فايل" بأنَّ الوتد هو حامل النبر دائمًا، حيث أثبتتْ هذه المعطيات أنَّ تحمُّل الوتِد للنَّبر هنا يؤدِّي إلى:
1- التِباس الضَّرب المحذوف بالضَّرب المقصور.
2- التباس الفعل اللازم أو المتعدِّي بواسطة حرف الجر بالفعل المتعدِّي بنفسه.
3- التباس عدم وجود مفعول بوجود مفعول.
4- التِباس وجود حذف بعدَم وجوده، حيثُ التبس وجود حذْف الجار والمجرور الذي تقديره "عتا عليَّ" بعدم وجود حذف.
5- التباس المعنى.
يقول المتنبي:

وَمَا كُلُّ مَنْ قَالَ قَوْلاً وَفَى وَلا كُلُّ مَنْ سِيمَ خَسْفًا أَبَى[25]
وهو البيت التالي للبيت السابق، والعروض "وَفَى" "فعو"، وهي صحيحة؛ لأن الحذف غير لازم في عروض المتقارب[26].
وحق الفعل "وَفَى" عدم الضَّغط على حركة الواو وحركة الفاء كصيغة "فِعِل"، وهذا يؤكده المعطيات المعجمية والصرفية والنحوية والدلالية كالتالي:
1- على المستوى المعجمي: يُكشف عن "وفى" في مادة "و ف ي".
2- على المستوى الصرفي: "وفى": فعل ثلاثي مجرَّد، لفيف مفروق، على وزن "فَعَل".
3- على المستوى النحوي: "وَفَى": فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذُّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو".
4- على المستوى الدلالي: ينفي المتنبِّي أن يكون كلُّ من عَهِدَ عهدًا وفَى بعهده.

أمَّا نطق الكلمة بالضَّغط على حركة الواو وحركة الفاء كصيغة "فٍعٍل" فإنَّه يحولها إلى "و + فا"، وينتج عن ذلك فساد كالتالي:
1- على المستوى المعجمي: "الواو": حرف عطف وله معانٍ عدة، و"فا": قد يكون مقصور "فاء": الحرف المعروف.
2- على المستوى الصرفي: "الواو": حرف مبني لا يدخل في إطار الدَّرس الصرفي، و"فا": اسم ممدود قد قُصِر عن المد، وأصله "فاء".
3- على المستوى النحوي: "الواو": حرف عطف مبني على الفتح لا محلَّ له من الإعراب، و"فا" معطوف منصوب.
4- على المستوى الدلالي: فسد المعنى: إذ لم تتمَّ الفائدة، ولم يُخبر عن الَّذي قال قولاً وقال "فا"، فهناك اضطِراب في البناء النحْوي بالإضافة إلى الفساد الدلالي.
....
....
الخاتمة :
نتيجة البحث:
لذلك نجد من الباحثين مَن يرى أنَّ امتحان ما يقولُه فايل يُظهر أنَّه "تهويل صِرف لا أساس له من الصحَّة"[41].
وليس معنى ما مضى أنَّ البحث يُنْكِر أهمِّيَّة الوتد، فقد ذكرْتُ قبلُ أنَّ الوتد يلعب دورًا رئيسًا في تفعيلات البحور، فهو أهم ركنٍ من أركان التَّفعيلة، وعلى الرَّغم من النَّماذج التي ذكرتها - والتي سأذْكُرها أثناء البحث - فإنَّ هناك كثيرًا من النَّماذج التي ينبر فيها الوتد كما يرى "فايل"، بل قد يؤدِّي عدم نبره إلى فسادٍ في المعنى.

د / وليد مقبل السيد
جوال / 00966530667432

والبقية على الرابط أعلاه