http://www.alfaseeh.com/vb/showthrea...E1%DA%D1%E6%D6


دور المنهجين: التوليدي والرقمي في تفسير العروض

يخطئ الظن من يعتقد أن العروض الرقمي الذي ابتكره الأستاذ خشان خشان خارج
عن نظام الخليل بن أحمد أو مخالف لأسس منهجه. إن الأعاريض الرقمية الأخرى
التي سبقت انطلاقة مشروع خشان ، ومنها عروض الشيخ جلال الحنفي، هي التي
يجب أن تعد مخالفة لنظام الخليل. فلقد رمز الشيخ ، رحمه الله، للمقطع القصير
بالرمز (1) ، وللمقطع الطويل بالرمز (2) والمقطع المديد بالرمز (3) ، فكانت
تفعيلة (مستفعلن ) عنده هي (2 2 1 2 )، والتفعيلة المعتلة (فاعلان) هي (2 1 3)
فخالف الخليل بذلك مرة ، وخالف النظام العالمي أخرى. خالف الخليل لأنه استبدل
برمزي المتحرك والساكن من الحروف رموزا للمقاطع اللغوية: القصير والطويل
والمديد ، وهذا ما لم يعرفه الخليل أو ما فضل عليه نظاما أبسط يكتفى فيه ببيان
نوع الحرف من حيث الحركة والسكون. وخالف النظام العالمي الذي استقرت
أشكال رموزه المقطعية عند الشكلين (ب) ، ( ـــ ) للمقطعين القصير والطويل على
التوالي.

أما خشان فقد أبقى على رمزي المتحرك والساكن الخليليين كما هما ، ليلتفت إلى
أن الخليل أهمل وضع رموز أكثر اختصارا وأقرب تصويرا لطبيعتي السبب والوتد ،
فعمد إلى تعويض هذا النقص من جانبه بأن رمز للسبب الخفيف بالرمز 2 وللثقيل
بالرمز (2) ( القوسان ليتميز السبب عن الخفيف) ، ثم بالرمز 3 للوتد المجموع
وحده.

عمل خشان يعد، إذن، إضافة إلى عمل الخليل وهو يأتي لغاية يطلبها دارسو هذا
العلم ، المبتدئون منهم والمتوسطون ، بحيث لا تعدو هذه الغاية أن تكون مدعاة
للبسط في الشرح وتيسير العلم على طالبيه.

وهذه الإضافة التي أوجدها خشان برموزه الرقمية ، ليست جديدة على الفكر
العروضي . فلقد سبق إلى ذلك جماعة المنهج التوليدي Generative Prosody
وأولهم Halle ثم Maling ومن بعدهما Prince وSchuh وذلك بما ابتكروه من
رموز للأسباب والأوتاد مأخوذة من الأبجدية الانجليزية، وربما من اليونانية أيضا
إذا لزم الأمر. فالوتد المجموع عندهم يرمز له بالرمز (P) والوتد المفروق بالرمز
(Q) وأما السبب بنوعيه فيرمزون له بالرمز (K) ، ومن ثم فهم يشرعون في
دراسة هذا العلم وتقديمه للناس بلغة علمية معاصرة يمكن فهمها والاتفاق عليها
بين مختلف طلاب العلم مهما اختلفت لغاتهم. فالتفعيلة K K P ترمز عندهم إلى
مستفعلن ، والتفعيلة K K Q إلى مفعولات . وإذا كنا وصلنا إلى هذه النقطة ، فهل
يجوز لنا الآن أن نطلق على هذا المنهج اسم العروض الأبجدي لكي يتميز عن
العروض الرقمي، أم أن العبرة في الاختلاف ترجع إلى طرح المشكلة ومحاولة
حلها عند الطرفين؟ من المعروف أن المنهج التوليدي يستند إلى نظرية في النحو
تصدرت معظم النظريات في القرن الماضي ، وأنها حتى لو اختارت رموز خشان
الرقمية بدلا من الحروف لما خرجت عن كونها توليدية المنهج. والخلاصة أن كلا
منهجي خشان والتوليديين لا يعدو أن يكون إعادة صياغة للمنهج الخليلي حيث لا
يخرج عنه إلا بقدر ما تفرضه عوامل الزمن الذي يفصلنا عن مؤسسه الأول في
القرن الثاني للهجرة ، فهما ليسا (محاولة لإيجاد بديل جذري لعروض الخليل )
كمحاولات أصحاب نظرية النبر، كما سنرى.

تلك كانت، إذن، مقدمة لا بد منها قبل الخوض في تقييم الجوانب التي عمل بها هذان
المنهجان في تقديم العروض العربي وشرحه ، وأما تفاصيل النقاش في مختلف
جوانبه فسوف تستكمل في حينه، إن شاء الله.