أحجيةُ الصَّمت !

شعر / جبر البعداني

للصّمتِ بَوحٌ لا يُقالُ بدوني
...
ومَشاعرٌ شفّتْ بلونِ شجوني

وكأنّما البَوحُ الشَهيُّ مُعلَّقٌ
ما بينَ كافي إنْ أرَدتُ ونُوني

في الصَّمتِ لا في البَوحِ تكمُنُ رِقَتي
ويكونُ أرقى ما يكونُ جنوني !

حوريّةَ القَسماتِ ، وَجهُ قَصائدي
ما عادَ مِرآةً للونِ عيوني!

عِطرُ البَنفسجِ في مَشاتل أحرُفي
ماعادَ يحلمُ بارتداءِ جُفوني!

ولقد أضعتُ ربيعَ عُمري فابعثي
ما ظلَّ مِن نيسانَ في كانوني

ولتمنحيني الوَصْلَ دَيناً آجِلاً
وغداً أعودُ لكي أرُدَّ ديوني

في الصَمتِ تتّضِحُ الوجوهُ فلا ترى
عينُ المرايا بانعكاسِ ظنوني !

لبِسَتْ ثيابَ الطُهْرِ كلُّ جَوارحي
حتَّى تشبّعَ بالعَفافِ مَجوني

ومضى يُحفّزُني رسولُ جَوانحي
كيما نحقّقُ رغبةَ الزيتونِ

في الصَّمتِ تَسبيحٌ ، صَلاةٌ ،خِشيةٌ
وحديثُ مَفتونٍ إلى مَفتونِ

صوتٌ لنَبضِ القلبِ مَدَّ بساطَهُ
فارتدَّ عنهُ بسِرِّهِ المَكنونِ !

فَيضٌ منَ الأسرارِ يكشفُ للدُّنا
مَعنى سَعادةِ عاشقٍ مجنونِ

عُرسٌ لسَيِّدةِ الفؤادِ يُقيمُهُ
شِعري بيومِ قدومِها الميمونِ

في الصَّمتِ وَشوشةٌ لطفلِ قصيدةٍ
تشتاقُ حِضنَ قريضيَ المَوزونِ

خطواتُ فاتنةٍ بروحِ فَرَاشةٍ
تَمشي الهوينا فوقَ هدْبِ سُكوني!

دَعواكَ ما دعواكَ يا قاضي النوى
والحبِّ ؟ هل للحبِّ مِن قانونِ؟!

ضاقت قُصوري مُذ رحلتَ وها أنا
لمّا رجِعتَ أرى اتّساعَ سجوني !

جفّتْ جذورُ القلبِ ما عاتبتَني
حتّى أُلامَ على جفافِ غُصوني

وتَضيقُ بي ذَرعاً ليومٍ ضائعٍ
ونسيتَ كم ضاعَت لديكَ سنوني

وأنا على ضَدَّين في دربِ الجَوى
مُتمَسّكٌ ببقاءِ من باعوني

وعجِبتَ مِن حُبِّي ولستَ بمُدركٍ
أنَّ احترافَ العِشقِِ بعضُ فنوني

سأجنُّ من فَرطِ اشتياقي والهوى
وأقولُ : بعدُ - فما بلغتُ فتوني

فالآنَ أُدركُ أنَّ حبّكَ لعنةٌ
تفضي إلى الإدمانِ كالأفيونِ

صمتاً. وحدّثَتِ العيونُ بكلِّ ما
أخفى فؤادُ المُغرمِ المغبونِ

والصَّمْتُ في الصمتِ الرهيبِ إجابَتي ،
سؤلي . فهلّا رَدَّ مَن سَألوني ؟!

فالصَّمتُ أحجيةٌ على أبوابِِها
صَلَبَ المُفسِّرُ نفسَهُ فدَعُوني