الأخوة الكرام : السلام عليكم
ها نحن أرسينا مسار النقاش على قاعدة صلبة . لديّ ثلاث ملاحظات حول مشاركاتكم الأخيرة , ثم أدلي بدلوي في أمر وحدات قياس البناء الشعري .

1- أتفق مع الدكتور عمر بأن استعمال وحدات البناء الشعري في توحيد طرق التعبير عن الإيقاعات الموسيقية والحركية , ومد مساحة العروض خارج الشعر لدراسة المظاهر الجمالية في القرآن ....الخ التي أضافها المهندس خشان إلى هدفه , تقع خارج نطاق الموضوع الحالي , ويمكن أن تدرس كقضايا منفصلة . والسبب بسيط – فنحن هنا ندرس ظاهرة واحدة متجانسة ونستمد أفكارنا من مجتمع ( مصطلح إحصائي ) الظاهرة , فلا نستطيع - منهجياً - جمع أكثر من ظاهرة مختلفة ودراستها معاً . فليسمح لي أخي خشان بتأخير هذا الموضوع حتى نفرغ مما نحن فيه , أو جعله موضوعاً مستقلاً عن هذا .
2- اشترط الدكتور عمر ضرورة أن تتجلى فطرية الموسيقى في تحديد وحدات البناء وكذا مراعاة خصائص اللغة وتوفر المبررات المنطقية . وأنا معه في ذلك , فهذه الاشتراطات وغيرها هي ما سنحتكم إليه في إقرار وحدات القياس .
3- أشكركم جميعاً على حسن ظنكم بي , وأعتقد أننا جميعاً طلاب وباحثون في علم العروض – العلم الذي هجره أصحابه , فليتهم يعودون إليه !


وحدات الانتظام في الشعر العربي الموزون

وحدة القياس يجب أن تتناسب مع ما يتم قياسه . وما يتم قياسه الكلام الذي نسميه شعراً . وقد دلّنا الخليل على طريقة القياس وهي الحركة والسكون . والحركة والسكون وحدتان متضادتان غير قابلتين للمعادلة والمقارنة : فلا نستطيع أن نقول – مثلاً - إن الحركة تساوي ساكنان , أو السكون يساوي نصف حركة . لذا لا تصلحان بذاتيهما أن تكونا وحدتي قياس , ولابد أن نركب منهما وحدات القياس .

لكن كيف يتم تركيب وحدات القياس ؟ يرى علماء اللغة أن الكلام – أيُّ كلام – يتكون من مقطعين صوتيين هما : المقصور ويتكون من حركة ( / ) والممدود ويتكون من حركة يتبعها ساكن ( /ه ) { يوجد مقطع ثالث يتكون من حركة يتبعها ساكنان ( /ه ه ) يأتي في نهاية الشطر وليس له تأثير على بنية الإيقاع } . ومعرفة المقاطع اللغوية الصوتية يقربنا من الهدف ولا يوصلنا إليه , لأن المقصور حرف واحد , والكلام لا يتمثل في أقل من حرفين . فنحن لا زلنا بحاجة إلى وحدات قياس مركبة من المقصور والممدود ويزيد عدد حروفها على واحد .

نعلم أن شطر البيت الشعري مكون من سلسلة من الأصوات الممدودة والمقصورة . ويقوم المقطع المقصور بدور الفاصل بين المقاطع الممدودة ( فإذا لم يوجدمقصور حصلنا على إيقاع الخبب , وهو إيقاع قائم بذاته مختلف عن بقية الإيقاعات . لذا يجب دراسته دراسة مستقلة ) فالمطلوب هو تركيب وحدات القياس من عدد من المقاطع الممدودة المتضمنة مقطعاً مقصوراً واحداً , يحل أولاً أو وسطاً ولكن ليس آخراً لأننا نريد الوقوف على نهاية الوحدة والحركة حركة لا نستطيع الوقوف عليها . وبصف الوحدات في شطر البيت يظهر نوعان من الانتظام : الأول يمثل عدد المقاطع الممدودة المفصولة بمقاطع مقصورة وهذا هو النظام الصوتي للإيقاع , والثاني يمثل وحدات القياس التي تشمل عدد من المقاطع الممدودة ومقطع مقصور واحد في أول الوحدة أو في وسطها وهذا هو النظام العروضي . والنظامان متشابهان إلى حدٍ كبير في القواعد التي تسيرهم مع فارق أن النظام الصوتي يتم تعديله بإضافة مقاطع مقصورة على حساب النظام العروضي

نعود إلى معضلة تركيب وحدات الإيقاع . الحد الأدنى لحروف الوحدة حرفان كما مرّ , والحد الأعلى سبعة حروف لسبب سنوضحه بعد قليل . والإيقاع الشعري – كما هي الحال في كثير من الفنون الجميلة – يقوم على التنوع والتكرار . والسؤال هو : كم مقصوراً وكم ممدوداً يمكن أن تتضمنه وحدة القياس ؟ وكم مرة يمكن أن يتكرر المقطع بدون فاصل بمقطع مختلف ؟ نعلم أن الأصل في إيقاع الشعر هو المقاطع الممدودة , وأن المقاطع المقصورة مجرد فواصل ( بسبب طبيعة الصوت المنبعث منها ) لإبراز تقسيمات الإيقاع , فلا نحتاج منها في الوحدة الواحدة إلا مقطعاً واحداً . أما المقاطع الممدودة فتتكرر دون فاصل لإطالة فترة مدّ الصوت , ولكن كم مرة تتكرر؟ . تقديرنا أنها لا تتكرر في الوحدة الواحدة أكثر من مرة واحدة ( مقطعان ) , وتبريرنا قائم على كون التكرار جزء من العمل الفنّي فهو مبرر مرة واحدة وما زاد فلا مبرر له .

وفي ظل هذه المعطيات يمكن إستقصاء وحدات الإيقاع إحصائياً بمقطع مقصور واحد وبدون مقطع مقصور على النحو التالي :

عدد الحروف - بدون مقطع مقصور ----- بمقطع مقصور واحد ----------
2-------------فع=/ه=2--------------- لا يوجد -------------------
3------------- لا يوجد --------------- فعو //ه = 3 --------------
4--------- فاعل = /ه/ه = 22 --------لا يوجد ----------------
5 ---------- لا يوجد ---------------- فاعلن = /ه//ه = 32 + فعولن = //ه/ه = 23
6--------لا يوجد--------------------- لا يوجد -----------------------
7-------لا يوجد ---مستفعلن=/ه/ه//ه=322+مفاعيلن=//ه/ه/ه=223+فاعلاتن=/ه//ه/ه =232

هذه ثمان وحدات قياس ممكنة لا يتجاوز عدد حروف أيّ منها سبعة حروف . بقي أن نشرح سبب قصر العدد على سبعة . نحن هنا نبحث عن قواعد تحكم سير العمل الفني في الإيقاع من حيث تتابع المقاطع الممدودة بأطوال مختلفة في شطر البيت . ولمعرفة هذه القواعد يلزم أن تكون الوحدات قابلة للمقارنة بأن يكون بعضها مشتق من بعض دون أن نجمع اثنتين لاستخراج ثالثة . والطريقة أن نستعمل فع وفعو ( لأنهما الأصغر لذا سميتهما مقطعان عروضيان ) لاستخراج وحدات مركبة بواسطة التكرار والتنوع . فأما فعو فلا يجوز تكرارها لأنها تحتوي على مقطع مقصور فإذا كررناها حصلنا على مقطعين مقصورين في وحدة واحدة . فما نحتاجه تكرار فع = /ه واستعمال فعو = //ه فعو مرة واحدة . فإذا زدنا العدد عن سبعة فسوف نحصل وحدات جديدة , لكنها غير مفيدة لأنها ستكون حاصل جمع وحدات معروفة مثل مستفعلاتن = مستفعلن+ فع أو فاعل+ فعولن ...الخ ولكم أن تجربوا بأنفسكم . فلماذا نستعمل وحدات جديدة إذا كنا قادرين على اشتقاق العلاقات بعدد أقل من الوحدات ؟

هذه سادتي مبرراتي لقصر وحدات القياس على ثمان وحدات . وقد وجدت أنها تفي بالمطلوب وتفسر قواعد الإيقاع بصورة تكاد تكون تامة .

والله أعلم ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,