المقطع أم التفعيلة أم النسق الإيقاعي

يعرف الدكتور خلوف لا شك رأيي حول ما يعرف بالتفعيلة وتفضيلي لاستخدام مصطلح النسق بدلا منه ، كما يعرف لا شك رأي الأستاذ خشان الذي دافع عنه في مناسبات عديدة أمام من عابوا عليه قوله بوهمية التفعيلة ، وإن كان قد أنكر استخدامه لتعبير " الوهمية " هذا واعتذر عنه هذا مؤكدا على أنه يذكر أنه قال إن التفاعيل أمر اصطلاحي .
نعم إن التفاعيل أمر اصطلاحي يرتبط ابتكاره بالخليل ، لكنه أيضا أمر وهمي حين يتعلق الأمر بتفعيلة مثل (مفعولات) ولا سيما حين يربطها الخليل بعروض السريع ( فاعلن ) باشتقاقات بهلوانية من نوع " أين أذنك يا جحا " !
وأريد في هذه المداخلة السريعة أن أتجنب النقاش حول مبررات استخدام أي من المصطلحات المذكورة في العنوان ، وأوثر بدلا من ذلك أن أتحدث عن بدايات استخدام كل منها .
أما مصطلح المقطع فإن لدي إحساسا أنه وصل للدكتور خلوف عن طريق اتصاله بكتاب " أنظمة إيقاعات الشعر العربي " للدكتور محمد الثمالي . فالثمالي يستخدم هذا المصطلح بشكل مغاير لما استقر عليه تعريفه في الفكر اللغوي ، ولا يعفيه تقييده له بوصفه بالعروضي تمييزا له عن اللغوي ، لأن حد المقطع أنه " أقل مقدار من الأصوات ينطق مستقلا " كما يعرفه البعض ، بينما نجد الثمالي يستخدمه للدلالة على ما يمكن اعتباره مجموعة مقطعية . وكنت أود لو أن الدكتور خلوف بقي عند وصفه للسبب والوتد والفاصلة بأنها أنوية إيقاعية كما كان الحال في كتابه " فن التقطيع الشعري " وهو وصف استخدمه بكثرة الدكتور كمال أبو ديب في كتابه " في البنية الإيقاعية للشعر العربي " .
وأما مصطلح التفعيلة فلا أدري مصدره وبداية استعماله ، وقد تتبعت ما ورد في كتب العروض بدءا من الأخفش حتى التبريزي ( ت 502 هـ ) فلم أجد له ذكرا . فالعروضيون في القرون الأولى التي تلت عصر الخليل ظلوا يستخدمون مصطلح ( الجُزء ) . وإضافة إلى ذلك استخدم ابن عبد ربه تعبير (الفواصل) للدلالة على الأجزاء الثمانية، كما استعمل كلمة ( التفعيل ) بمعنى التقطيع في قوله :
ُينقل منه خمسة شطور.................. يفصلها التفعيل والتقدير
وكذلك استخدم التبريزي ( التفعيل ) بهذا المعنى ، واستخدم أيضا تعبير (الأمثلة) للدلالة على هذه الأجزاء .
وقد أشار الدماميني في ( العيون الغامزة ) إلى قول الزمخشري : " ومثال ذلك قصيدة جاءت تفاعيلها كلها على مستفعلن " ثم ذكر ما كان من تعقب ابن حيان له في ( البحر المحيط ) قائلا : " وقوله ( تفاعيلها ) هو جمع تفعال أو تَفعول أو تُفعول أو تفعيل ، وليس شيء منها معدودا من أجزاء العروض ؛ فإن أجزاءه منحصرة ليس فيها شيء من هذه الأوزان ، فصوابه أن يقول : أجزاؤها كلها على مستفعلن " انتهى كلام الشيخ أبي حيان .
ثم إن الكلام منصب كله على تذكير المصطلح ولا أعلم متى أنثوه بقولهم ( تفعيلة ) ، وقد يحتاج مني ذلك إلى جولة أخرى في مصادر اللغة ومعاجمها للوصول إلى بداية تحولها إلى التأنيث .
وأخيرا ، وليس آخرا ، يبقى مصطلح ( النسق ) ( string ) وهو مصطلح حديث سائد في معظم كتابات العروضيين الغربيين ، وقد استخدمته في كتابي ( في نظرية العروض العربي ) للدلالة على أمرين اثنين :
الأول : الشكل النظري للأسباب والأوتاد المتوالية في إطارها الدائري .
والثاني : الوحدة الإيقاعية المتكررة في البيت أو القصيدة .
وصورة هذه الأنساق معبرا عنها رقميا كما يلي ( 2 = سبب ، 3 = وتد مجموع ) :
2
3 2
3 2 2
3 2 2 2
3 2 3 2 2
3 2 3 2 2 2
3 2 3 2 2 3 2
3 2 3 2 2 3 2 2
3 2 3 2 2 3 2 2 2
فهذه تسعة أنساق إذا تناولتها بالمفهوم الدائري أنتجت لك خمسة وأربعا نسقا ( بحرا أو ضربا ) وليست جميعها مستعملة ( لكن لا يهم ذلك فمعجم العين يعج بالابنية المهملة من اللغة ) فأما المستعمل منها فيأخذ شكله التطبيقي بدون المرور بحيل الخليل الممثلة بالشطر والجزء والنهك والعلة والزحاف الجاري مجرى العلة ، بل إن جميع هذا النظام يخضع لقوانين إيقاعية بسيطة جرى استنباطها حسب ما تتقبله الغريزة ويؤيده الإحصاء .
( ملحوظة : بعد أن أتممت كتابة هذه المداخلة على برنامج الوورد واردت نقلها إلى المنتدى ، وجدت الأستاذ خشان سبقني وكانت إشارتي إلى رأيه في التفعيلة تستند إلى مناقشتة للمهندس أبي الحسن )