أخي سليمان
الأخت مريم

صفحة راقية أحرص على مرافقتكما فيها

غير أني سأتحدث باختصار عن عروض قصيدة واحدة قرأتها على موقع الأقلام الذي يديره المهندس الشاعر سامر سكيك وهي بعنوان " صور" نظمت من أولها لآخرها على بحر الكامل مبتدئة ببيتن على الشكل الخليلي وأكملت بأشطر على النسق الحر الذي تتخلله مثنيات من نوع ما ابتدأت به . لكن الغريب في هذه القصيدة ( ولا أظنه مقصودا ) أن الوزن يجنح في بعض الأشطر نحو بحر الوافر ولا يمكنك أن تكبح جماحه وترده إلى الكامل إلا بارتكاب أخطاء تهدد سلامة القراءة ، ودعك مما يسببه ذلك من قطع النفس واللهاث بفعل التدوير الذي لا يتوقف ليستريح ، فإذا توقف وجدت نفسك على شاطئ بحر الوافر !

من أين أبدؤها. = 2 2 3 1 3 = 4 3((4)

و أوّلُها هو الراوي لآخرها
= 3 1 3 3 2 2 3 1 3 = 3 ((4) 3 4 3 ((4)

فيكون السطر الأول من الكامل وما تلاه من الوافر

ولكننا لو قرأنا أو سطرين هكذا

من أين أبدؤها وأوّلُها هو الراوي لآخرها
= 2 2 3 1 3 3 1 3 3 2 2 3 1 3
= 4 3 ((4) 3 ((4) 3 4 3 ((4)
فيكون أول سطرين – موصولين معا – من الكامل
وما تلاهما فمن الوافر.

في الشعر (العمودي) يحدد الوزن وآخر الشطر

ولا مجال لتداخلهما لوضوح القافية والالتزام بها

والحال كذلك في شعر التفعيلة الذي تكون القافية فيه واضحة.
فإن لم تكن كذلك وكثر التدوير ولم تصدع القافية الأشطر أو الأسطر اختلط الأمر وتداخلت البحور ولكن تبقى لللإيقاع استمرارية بقدر ما إذ البحور في هذه الحالة تنتمي لدائرة واحدة.

لنأخذ هذه الأبيات لنازك الملائكة: "

طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراش
أحلاما طريات، ورش العطر خد الليل، والدنيا
تلفع كل ما فيها بأستار الظلام المدلهم البارد
القبري،وانتاب المدى خوف من المجهول.يا
قلبي تيقّظْ واترك الأوهام تجني كل
باقات الأماني . أمسك الجذلان بالأفراح
والرغبات قد نفض النعاس وعاد يملأ مشرق
الدنيا ضياء وابتسامات فدع فن الصباح
المشرق المسحور ينفذ لا تكن حيران مقطوع
الرؤى.....
"ثم تعلق: "أليس هذا نظما سمجاً ميتا لا يحتمل ؟ إن قراءته غير ممكنة، وهو لترادفه السريع ممل رتيب يتعب السامع ويضايق الحس الجمالي لدى القارئ، وأبرز ما ينقصه هو الوقفات . ذلك أن السكتة في آخر الشطر والبيت كانت وما زالت عنصرا مهما في القصيدة. إن للسكوت وقعا شعريا يعادل وقع الأشطر نفسها، ومن دون هذا السكوت يموت الشعر كما رأينا."
ما تقدم كاف لغرض هذه المشاركة ولكن أرى من الفائدة أن أضيف من تعليقها قولها:" والظاهر أن كثيرا من الذين ينظمون الشعر الحر ينسون هذه الحقيقة، ولذلك نراهم يرصون لنا أشطرا كثيرة مدورة هي في الحقيقة كلها شطر واحد .
وما أحرهم بأن ينتبهوا.
.....ولسوف يبدو أن ما نظمته سنة 1962 لكي يكون مثالا للرداءة قد أصبح بعد عام 1968 قاعدة تحتذى ونموذجا يطيعه عشرات الشعراء اليافعين."
وسأقصر حديثي عن تداخل البحور في مثل هذا الشطر الطويل المكتوب في عدة أسطر مدورة. فإن الإيقاع يبقى له شيء من الاستمرارية رغم اختلاف البحور. ولكنها بحور دائرة واحدة يتشابه فيها نمط تتالي الأسباب والأوتاد.

2 2 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2 2 3 2
فإن هذا الذي يبدو سطرا واحدا فيه تداخل إيقاع غير بحر إن اخترنا التوقف القسري عند حدود الألوان – ولا بد من الوقوف عندما يكون الشطر بطول نص نازك المتقدم :
( الكامل – الرجز ) – ( الوافر ) - الرمل

فلنمثل لذلك من النص السابق
فإن قراءته بلا توقف تجعله من الكامل
ولو اخترنا الوقفات التالية نحصل على ما يلي:


طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراش أحلاما

((4) 3 4 3 ((4) 3 4 3 4 = الكامل

ورش العطر خد الليل، والدنيا تلفع كل ما فيها

3 4 3 4 3 4 3 ((4) 3 4 = الوافر

هذه الاعتبارات وسواها تنفي ما يظنه البعض سهولة في الشعر الحر فهو قد يكون أصعب من الفصيح الذي يتضمن ضوابط يفرضها على الشاعر. وعن الشعر الحر تقول نازك: (ص – 44) " لو تأملنا قيود الأوزان الحرة لوجدناها لا تقل عن قيود أوزاننا القديمة إن لم تزد، فالوقفة إجبارية في الحالتين وإن اختلفت أسبابها، وذلك يحتم على الشاعر الحر أن يتبع نظاما صارما في صياغة عباراته بحيث يعوض عن القيود الجبرية في نظام الشطرين. "

طبعا كان يقصد حينها بالشعر الحر شعر التفعيلة وبعد ذلك استولى على اسمه ما أسموه شعر النثر واتخذ ما كان يعرف بالشعر الحر اسم شعر التفعيلة.