ألاحظ أن أخي الأستاذ خشان لا يزال منهمكا في تجاربه الوزنية على بنية العروض العربي ممثلة في محاولة إخضاع أسبابه التي اتخذت شكلها النهائي واستقرت عنده منذ أمد طويل إلى أشكال أخرى جديدة مستخدما لذلك مفهوم التخبيب الذي يعني تحول السبب الخفيف إلى ثقيل ضمن شروط معينة .
ما أريد التأكيد عليه في هذه المداخلة هو أن دور العروضي يكون دوما تاليا لدور الشاعر وليس العكس ، فالخليل لم يكتب أوزان العروض الستة عشر ثم طرحها للشعراء كي يجربوا النظم عليها ( على الرغم مما يقال من أنه وضع بحرين هما المضارع والمقتضب وصنع لهما شواهدهما ) وظل دور الخليل محصورا في تتبع ما جرى استعماله في النظم وإهمال ما أهمله الشعراء كما هو الحال في بحر المتدارك المهمل .
الشاعر عبده بدوي كان في توجهاته للبحث عن أشكال جديدة من الوزن عروضيا يهمه في المقام الأول أن يجرب شيئا لم يعهده الشعراء في نظمهم ، من هنا كانت قصيدته على الضرب الثاني من العروض الأولى من الخفيف التي لم يُر من شواهد عليه إلا شاهد الخليل اليتيم :
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ............أم يحولن من دون ذاك الردى
ومن هنا أيضا كان احتفاله بقصيدة نازك الملائكة على ما ظنته وزنا مستحدثا لم يطرقه الشعراء قبلها كقولها :
خضراء براقة مغدقة............كأنها فلقة الفستقة
على الرغم من أن هذا الوزن كان معروفا عند بعض الشعراء الأندلسيين .
ومن ذلك أيضا اهتمامه بنشره في مجلة الشعر التي رأس تحريرها قصيدة للشاعر أحمد مطر قال إنه انساق فيها إلى وزن غير مألوف بجعله صدر البيت من بحر وعجزه من بحر آخر نحو قوله :
أهو الحب أن أرى .........منيّتي في الأماني
كتم الليل همّهُ ............ وهمه أن أعاني
فتلاحظ أنه جمع في البيت ما بين مجزوء الخفيف والمجتث ، وغاب عنه أن شعراء أبوللو كانوا قد حاولوا مثل ذلك في محاولاتهم التجريبية كقول الشاعر الطبيب أحمد زكي أبو شادي :
هاهنا في حِمى الهديرْ ........... ووثبة الموج ثائرا
نطلق الشعر والشعورْ ...........ونجعل الروض شاعرا
وعلى هذا الخلط الذي ابتدعه شعراء أبوللو في محاولاتهم التجريبية يمكن لنا أن ندرج محاولات الاستاذ خشان في تحويره لقصيدة عبده بدوي حيث جاء بشطر من الخفيف مع شطر من وزن غير معروف . وكذلك الأبيات التي جاء بها الدكتور عمر خلوف من خلط الشاعر إبراهيم العريض بين السريع والرجز .
أما تلك الأبيات من الكامل التي تنتهي بتفعيلة مجزولة أو مخبولة فلا يمنع عندي إن جاءت بعض هذه التفاعيل صحيحة أو مضمرة أو موقوصة في قصيدة واحدة من حيث يسمح نظام القافية الجمع بين النوعين المتدارك والمتراكب ، ولا يعني توقف عبده بدوي في قصيدته التي استشهد عمر خلوف عند تفعيلة الضرب الموقوصة وحدها أن ثمة موسيقية خاصة بهذه التفعيلة استوجبت الاقتصار عليها وحدها دون غيرها .
وعلى ذلك آمل أن يخفف أخي خشان من محاولاته التجريبية لتغيير التركيب الجيني لأنوية بعض الأسباب ، فالله وحده يعلم أي أشكال من المخلوقات الوزنية يمكن أن يحدث من وراء ذلك . ونحن نعلم أن الأسباب الثلاثة المتوالية في دائرة المشتبه ( إذا ما تجاوزنا فكرة الوتد المفروق ) تأخذ في البحور الطويلة كالخفيف والمنسرح التتابع 2 ( 2 ) 2 حيث يمكن فقط للسبب الأوسط أن يتخذ أحد شكلي المقاطع القصير والطويل بحرية ، بينما لا يتاح ذلك للبحور القصيرة كالمجتث والمقتضب والمضارع ومجزوء الخفيف التي يلتزم سببها الأوسط بالمقطع القصير وحده