كنتُ أتسائلُ دائماً عن سرِّ بعضِ الصِّيغ العروضية لبحور الشِّعر الخليليَّة وتصنيفها في دوائر محدودة يُفضي بعضها إلى ‏بعض دون عناءٍ يُذكر، ولماذا أصرَّ الخليل على عزلها كبحورٍ مستقلَّة لا كصيغٍ مختلفة لدائرة شعريَّة واحدة ؟‎.
ولماذا إصراره على بعض التفعيلات الشَّاذة (مفاعيلُ ومفعولاتُ مثلاً ) ؟ ولماذا كانت (فاعلن ) تفعيلة أصيلة و (فَعِلن ) زحَّافاً ‏لها مع أنها الأكثر وروداً وتكراراً في المادة الشعرية التي استقرأها الخليل وحلَّلها وأحصاها واستخرج منها نظريته الفذَّة في ‏عروض الشِّعر العربي ؟‎

ثمة أمور تتغير مع الزمن والثقافة وأمور لا تتغير مع الزمن والثقافة.‏
من الأمور التي لا تتغير مع الزمن والثقافة حاجات الإنسان وغرائزه فهي لا تتغير أبدا لأنها متصلة بكينونة الإنسان.‏
طريقة إحساس العربي بالكم والهيئة في وزن شعره والإنجليزي بالنبر مما يتعلق بكينونة كل منهما وهي لا تتغير. وعلم ‏العروض – لدى الخليل مثلا يبين الخصائص الكلية لذلك الإحساس أو تلك الذائقة بتقعيدها . ومن ثم وصف جزئياتها في ‏العروض . الرابط التالي يبين الفارق بين العروض وعلم العروض:‏

https://sites.google.com/site/alaroo...lrwd-wlm-alrwd


وليس الخليل منشئا لتلك الذائقة، النحو والعروض والمعاجم كلها كانت لحفظ الخصائص الأصيلة الثابتة للغة التي لا يضرها ‏ولا يغيرها أن تتم عملية التطور ضمن تلك الثوابت. ‏
أما طريقة تقديم تلك الثوابت فالباب فيها مفتوح للجميع في كل وقت.‏
ليس بالإمكان شرح منهج الخليل بطريقة أفضل مما فعله الخليل. ولو تصورنا منهج الخليل جبلا فكل من انتقدوه أو جاوزوه ‏يقفون في مكان ما على ذلك الجبل. يبدو أن أستاذنا يقترج جبلا آخر وهذا رائع فهل يتعدى هذا الاقتراح المجال النظري إلى ‏العملي في إرساء ذلك الجبل على واقع الشعر العربي وهو ذات أساس جبل الخليل ؟
أتمنى أن يسعى إلى ذلك وأتمنى أن أكون مخطئا في توقعي فشله. ‏


لماذا طوَّر صيغاً وأهمل أخرى ؟ لندرتها ؟ لشذوذها عن إيقاعٍ آلفته الأذن الصحراوية ؟ أم لغايات أسطرة النموذج وتأبيده ؟‎
لماذا كان في نموذجه مجزوءٌ للوافر وبحرٌ للهزج مع تداخلهما الواضح ؟ ولماذا كان النموذج شاذاً والفاعلية الشعرية ‏المتشكِّلة معظمها زحَّافاتٍ وعلل ؟

لم يطور الخليل ولم يهمل. الخليل تناول الواقع. لم يكن الخليل يخترع ذائقة وإنما كان يشتق قواعد تلك الذائقة ويصفها. من المنطقي أن نسأل كيف وصف بكذا وكذا . أما لماذا وصف بكذا وكذا فلأن ذلك ما يعبر عن فهمه للواقع. الوردة حمراء لأنها حمراء هل أجاد رسام ما رسمها وهل يفوقه رسام آخر في الرسم ذاك سؤال يناسب الحال.

في هذه القراءة سأقسِّم بحور الخليل إلى دائرتينِ كبيرتين وأعيد تصنيف البحور داخل هاتين الدائرتين وكما يلي، (التسميات ‏الجغرافية التالية تسميات افتراضية وليست تسميات استقصائية وإحصائية ولغايات إضاءة البعد الجغرافي في قراءة مواطن ‏ولادة بعض الإيقاعات العروضية الخليليَّة وتطورها‎ ‎‏)‏

كلمة دائرة في العروض لها ظلال متصلة بمصطلح دوائر الخليل، وهنا يستعملها استاذنا بمعنى اصطلاحي آخر يدل على ‏المساحة أو القسم أو الناحية أو المجال.‏
وليت استاذنا الكريم معنا ليفسر مضمون هذه الفقرة. ‏
وهل من دليل على العلاقة بين الجغرافيا والبحور ؟ ويصنف هذا التقرير على أنه موضوعي لا ذاتي. ‏



‏***‏
أوَّلاً : دائرة جنوب الجزيرة العربية ووسطها (وهذا تصنيف يمكن التوسُّع فيه لدراسة المواطن الجغرافية لبحور الشِّعر الخليلية ‏المختلفة لفهم تكوُّن هذه الايقاعات وارتباطها بالثقافة السائدة وارتباطها بالتحضُّر والتمدُّن ودرجاته المختلفة وإيقاعاته التي ‏عبَّرت عن واقع الثقافة والفكر والدين والعقلية السائدة والسيكولوجيا الاجتماعية المكوِّنة لسلوك الأفراد والمجتمع )،

ما تفضل به أستاذنا حول العوامل التي تكون الإيقاعات العربية مما يدخل في الذاتي من الآراء. بعيدا عن مفهوم الصواب ‏والخطأ.‏
استقرار هذه الإيقاعات في الوجدان العربي هو الحقيقة الموضوعية.‏
هل من دليل لتوزيع البحور حسب المناطق الجغرافية ؟

‏ وهذه الدائرة أقترح أن تضم الصيغ الشائعة للبحور التالية :‏
‏ (الطويل، الكامل، الوافر، المنسرح، المديد، البسيط، الخبب، المتقارب، الرجز، الرَّمل، المقتضب)، وهذه البحور التي ترتكز في ‏صيغها الشائعة على تكرار وتناوب تكرار اللازمة الإيقاعية (فَعِلن ) ‏

كلمة (أقترح) هنا ذاتية الدلالة وإن كان الكلام موضوعيا فإن ما يناسبه كلمة ( أرى ).

وهي المدخل لدخول وتحوُّل هذه البحور وتداخل إيقاعاتها، واشتمام تشكيلات إيقاعية من تفعيلاتها تُبيِّن القرابة العميقة لهذه ‏البحور وانتسابها لبعضها، فمثلاً اقرأ الرَّمل مع حذف متحرِّكه الأوَّل لتجد نفسك أمام صيغةٍ وافيةٍ من صيغ الوافر، واقرأ ‏الكامل دائرياً ستجد أمامك مجزوء الوافر بكامل صيغته، واقرأ الطويل في بعض صيغه ستجد نفسك تقرأ إيقاعات الكامل، واقرأ ‏في تكرارات جزء من إيقاع البسيط ستجد نفسك تقرأ مجزوء الوافر، وبعض صيغ الرجز تقرأ بها خبباً وبعض صيغ الخبب تقرأ ‏بها المتقارب وبعض صيغ المنسرح تقرأ بها مرفَّل الكامل والمقتضب مجزوءً من المنسرح وهكذا سترى أن هذه الدائرة يُفضي ‏بعضُها إلى بعض وسأسميها دائرة (فَعِلن‎ ‎‏)‏

تواشج بحور الشعر العربي يحتل حيزا كبيرا في العروض الرقمي . وكأمثلة عليه
البحور القومية : ‏http://arood.com/vb/showthread.php?p=53435#post53435‎

وشائج الدوائر والبحور : ‏
https://sites.google.com/site/alarood/Home/washaij


التغيير الكبير : :‏‎ http://arood.com/vb/showthread.php?p=23817#post23817‎

ثانياً : دائرة شمال الجزيرة والشام والعراق وسأسميها دائرة (فاعلن ) وتضم البحور التي لا ترد في أيٍّ من صيغها التفعيلة ‏‏(فَعِلن ) وتضم بعض صيغ البحور الواردة في الدائرة السابقة عند تحلُّلها من صيغة (فَعِلن ) كالرَّمل والطويل والبسيط ‏والمتقارب والرجز والبحور التالية التي لا يرد بأيٍّ من صيغها (فَعِلن ) وهي : الخفيف والهزج‎ .
أما البحر المضارع فهو بحرٌ هجين وليس له نماذج شعرية فعلية، وتفعيلته شاذَّة وغريبة (مفاعيلُ )، والمجتث يشكِّل صيغة ‏من إيقاعات البسيط والمتدارك هو صيغة من إيقاع المتقارب‎ .‎

الطويل والبسيط وردا في الدائرتين ‏
لا أدري ما مدى كل من الحقيقة الموضوعية والافتراض الذاتي في موضوع الدائرتين. الأمر الذي يصعّب الحوار. ‏

لا ارى علاقة لوشائج البحور بالجغرافيا بل هي نابعة من طبيعة البحور.