رأينا أن العلاقة التي تدلل عليها المشتقة الأولى بين صورة نهاية الصدر وصورة نهاية العجز ظاهرة عروضية عامة مطبقة في كافة البحور الخليلية التي تقبلها دون استثناء . وفي هذا حجة قوية ودليل كاف على أنها قانون علمي عروضي اكتشفه الأستاذ خشان مؤسس علم العروض الرقمي بفضل استخدامه الأرقام كوحدات قياس وبناء في العروض بعد ثلاثة عشر قرنا من وفاة الخليل . فيجدر بنا أن نتساءل الآن :
1‏- ما الذي يقدمه العروض التفعيلي من مساهمة في مجال القانون العلمي الذي تعبر عنه المشتقة الأولى ؟
والجواب كما أراه : يقدم العروض التفعيلي أربعة مفاهيم منفصلة دون الربط بينها وهي الحذف و الترفيل و التذييل والقصر .
فوجود التركيب 3ز3 في آخر العجز في المتقارب والخفيف والمجتث والمضارع والرمل يفسره الحذف ، أي حذف السبب من آخر فعولن لتصبح فعو ، أو فاعلاتن لتصبح فاعلن .
وجود التركيب 3ز3 2 في آخر المتدارك والسريع والرجز والكامل والبسيط يفسره الترفيل ، أي إضافة سبب خفيف في آخر فاعلن لتصبح فاعلاتن وفي آخر مستفعلن لتصبح مستفعلاتن وفي آخر متفاعلن لتصبح متفاعلاتن .
أما وجود التركيب 3ز3ه في آخر عجز مجزوء الكامل ومجزوء البسيط والسريع والمتدارك والمديد والرمل والمتقارب فيفسره التذييل في مجزوء الكامل لتصبح متفاعلن متفاعلان وفي مجزوء البسيط لتصبح مستفعلن مستفعلان وفي السريع والمديد والمتدارك لتصبح فاعلن فاعلان . في حين يفسره القصر أي ( حذف الساكن من السبب الخفيف ثم تسكين المتحرك قبله ) في الرمل لتصبح فاعلاتن 2 3 2 فاعلات 2 3 ه وكذلك في المتقارب لتصبح فعولن3 2 فعول 3 ه .
فما الذي قدمه الأستاذ خشان في العروض الرقمي عبر هذه المشتقة ؟
والجواب كما أجزم به :
أولا - قدم تكثيفا علميا ، قاعدة واحدة لاستخدام عدد من قوانين العروض الجزئية المتفرقة وهي الحذف والترفيل والتذييل والقصر . وذلك بأن ربطها في سلك واحد ضمن قانون المشتقة الأولى . وقد كنا لفتنا الانتباه آنفا إلى ما يقوم به علم العروض الرقمي من عملية التكثيف المطردة للقوانين الجزئية في العروض التفعيلي .فهنا أربعة مفاهيم تفعيلية لا يربطها في الأصل أي رابط ولا تمنح الشاعر أي حجة أو دليل لاستخدام أحدها في آخر العجز في بحر ما .
فليس ثمة من دليل يهتدي به الشاعر أو العروضي سوى ما حفظته ذاكرته أو أوراقه من صور البحور الخليلية كشواهد مفيدة .
والآن يقوم العروض الرقمي بتقديم قرينة واضحة ودليل علمي يهتدي به الشاعر لكي يقرر شرعية استخدامه لأي من تلك القوانين الجزئية الأربعة أو عدم شرعيته ، وذلك باعتماده على محددات الاستخدام وفقا لما بينته المشتقة .
ثانيا - قدم الرقمي عبر هذه المشتقة تعميما يساير نهج الشمولية التي يتخذها مذهبا له . فعندما يتوفر قانون عروضي عام وشامل يرشد العروضي إلى الشروط المطلوبة كمحددات لوجود ظاهرة عروضية معينة أو عدم وجودها فسوف يكون لهذا القانون فرصة أكبر للتطبيق في طيف أوسع من البحور التي قد لا يكون لها سبق في مجال تطبيقه في واقع الشعر .
لذا فإن ما اشتقه الأستاذ خشان من الصور الإضافية التسع عشرة وفقا لهذه المشتقة يعد برهانا عمليا على شمولية الرؤية الرقمية للعروض ودليلا على انفتاحها على احتمالات التجديد الوزني الممنهج المرتبطة فروعه مع أصوله .
يتبع بإذن الله