هذا عنوان كتاب أخي وأستاذي د. عمر خلوف.

لهذا الكتاب فضل علي في توجيهي للرقمي.


أنقل عنه هذه الخلاصة، لتأمل واكتشاف العلاقة التي تربط بين مضمون هذه الخلاصة وبداية الرقمي. كل من وجهة نظره :


http://alwaraq.com/Core/dg/dg_topic?ID=3065

إنّ لقضيّةِ التقطيعِ الشعري ومعرفةِ البحر أهميةً عظيمة، وإجادتـُها من أهمِّ مباحث علم العروض، فهي غايةُ هذا العلم وثمرتُه العملية، وهي مبتغى طالبِ هذا العلم سواءً أكان شاعراً أم ناقداً أم محققاً أم باحثاً. وكثيراً ما يقفُ المرء أمام بيتٍ من الشعر يتساءل من أي بحرٍ هو؟
وحتى الآن بقيتْ عمليةُ إيجادِ الوزن غامضةً، يصعبُ معها الوصولُ إلى معرفةِ بحر البيت المقصود، فهي تعتمدُ عندهم على تحليلِ البيت بإعادة كتابته كتابةً طلّسمية منفِّرة تدعى (الكتابةَ العروضية)، ثم تركيبِهِ بطريقةٍ هي الأخرى مملّة، تعتمد على الحدْسِ والتخمين والمحاولة والتجريب.. وكثيراً ما يحتاج المرء للوصول إلى البحر إلى جهْدٍ ومشقّةٍ بالغَين، وذلك لما في الشعر عادةً من تغييرات (زحافات)، تؤدّي في أبسط حالاتـها إلى ابتعاد البحر عن شكله النموذجيّ المعروف. بل إن التقطيعَ عندهم يبتدئ بمعرفةِ البحر، وهو المجهول الذي نبحث عنه.
وقد زهدت معظمُ كتُبِ العروض في عرض هذه القضية المشكلة، ولم تتعرّض لما يواجه المتدرِّبَ من صعوبات.. ولم تستطعْ الكتبُ القليلة التي تعرّضت لها أن تُقدّم طريقةً علمية ميسرة لمعرفة البحر.

وهذه المقالة هي خلاصةُ جهد الكاتب في إيجاد طريقة علمية ميسّرة لتقطيع الشعر ومعرفة بحوره، تتلخص في أربع خطواتٍ سهلةِ الحفظ والتطبيق:

أولاً: ترميز البيت: ويعني تحليلَ البيتِ الشعري إلى مكوّناته الأولية من الحركاتِ والسكَنات، بمقابلة الحروفِ المتحركة برمز الحركة ( / ) والحروفِ الساكنة برمز السكون ( ه )، اعتماداً على مبدأ: (كلّ ما يُلفظ يحتسب، وما لا يُلفظ يهمل). حيث تُحتسب الحروفُ المحذوفة إملائياً (كالألف في هذا و لكن..)، ويُحتسبُ الحرفُ المشدّد حرفين؛ ساكنٌ فمتحرك، والمَدّةُ (~) حرفين؛ متحركٌ فساكن، والتنوينُ نوناً ساكنة، كما تُحتسب الحركاتُ المُشبعة للضمائر والقوافي حروفَ مدّ ساكنة مُجانسة لها. في حين تُهمل الحروفُ الزائدة إملائياً ( كالواو في عَمْرو، والألف في مائة وخرجوا.. )، وألفات الوصل، والمدود التي يليها ساكن.. إلخ.


مثال : بِنْتمْ وبِنّـا فما ابْتَلَّتْ جوانِحُنا......شَوْقاً إليكُمْ ولا جفَّتْ مآقينـا
الترميز: /ه/ه //ه/ه //ه /ه /ه //ه ///ه......./ه /ه //ه /ه //ه /ه /ه //ه/ه/ه
حيث احتسبنا المشدّدَ في (بنّا، ابتلّت، جفّت) حرفين؛ ساكنٌ فمتحرك واحتسبنا التنوينَ في (شوقاً) نوناً ساكنة، كما احتسبنا المَدّةَ في (مآقينا) حرفين؛ متحركٌ فساكن. في حين أهملنا ألف (فما) لالتقاء الساكنين، وألف الوصل في (ابتلّت).

ثانياً :تأصيل البيت : ويعني هذا معرفةَ التغييرات العارضة (الزحافات)، إن وجدت، ثُمّ إعادتها إلى أصلها. وتقع هذه التغييرات العارضة على (المقاطع العروضية) التي تتشكل منها البحور وهي ثلاثة مقاطع أصلية:
1 ـ السبب: ويتألف من متحرك فساكن ( /ه ) .
2 ـ الوتـد: ويتألف من متحركين فساكن ( //ه ) .
3 ـ الفاصلة: وتتألف من 3 متحركات فساكن ( ///ه ) .
وتتشكّل كل بحورِ الشعر العربي من تآلفِ الأسباب والأوتاد فقط، إلاّ الكامل والوافر، فيتشكلان من تآلف الفواصل والأوتاد. ولذا تُعتبر الفاصلةُ فيهما أصليةً، وتتميز بأنّـها متبوعةٌ دائماً بوتد وحيد. في حين لا تتآلف الأسباب والفواصل، كما لا تتجاور الأوتاد ولا الفواصل إلاّ بعد الزحاف (التغيير العارض).
فبسبب الزحاف تظهر الأشكال العارضة التالية:
أ) الفاضلة (////ه): وهي مقطعٌ ثانوي، يتألف من أربعة متحركات فساكن، وينشأ عادة من سقوط ساكنيْ سببين متواليين بعدهما وتد (/ه/ه//ه ــ ////ه).
ب) فاصلة عارضة (///ه) في غير الكامل والوافر:
وتنشأ عادةً من سقوطِ ساكنِ سببٍ بعده وتد (/ه//ه ــ ///ه). وهي تختلف عن الأصلية في كونـِها إما متبوعة بسبب، أو بفاصلة أخرى، أو بأكثر من وتد، أو غير متبوعة بشيء.
أي: هي ما سوى الفاصلة الأصلية.
ج) تجاور وتدين فأكثر (//ه //ه ...): فالأشكالَ النموذجية للبحور لا تتجاور فيها الأوتاد كما قلنا.
فإذا تشكلت بعض الأوتاد العارضة بالزحاف ظهر مثل هذا التجاور.
وينشأ الوتد العارض من سقوط الساكن الأول لسببين متجاورين (/ه/ه //ه).
وبمعرفتنا لأشكال الزحاف الثلاثة العارضة في الشعر، نستطيع ردّها إلى أصولها النموذجية بسهولة، اعتماداً على " قواعد التأصيل " الثلاثة التالية:
1- كل فاضلة (////ه) أصلها سببان فوتد (/ه/ه//ه).
2- كل فاصلة عارضة (///ه) أصلها سبب فوتد (/ه//ه).
3- كل وتد عارض (//ه) أصله سببان متتاليان (/ه/ه).
ولمعرفة الأوتاد العارضة، نُرقِّم الأوتادَ المتجاورةَ من اليسارِ إلى اليمين، حيث تدلّ الأرقامُ الزوجيةُ فقط على الأوتادِ العارضة.

مثـال : لدينا سلسلةٌ من الأوتاد المتجاورة : //ه //ه //ه //ه
1- نُرقّم الأوتادَ من اليسار إلى اليمين: ..... 4..3 . 2. 1
2- نُعيد ما كان رقمه زوجياً إلى سببين: /ه/ه //ه /ه/ه //ه

ثالثاً: تحديد التفاعيل: أي تقسيمُ البيت - بعد تأصيله - إلى تفاعيله التي يتركب منها .
وهي ثماني تفعيلاتٍ أصلية تنشأ عن كيفية انتظام وتآلف المقاطع العروضية السابقة، ندرجها بأشكالها اللفظية والرمزية في الجدول التالي:
مُتَفاعِلنْ ///ه//ه مفاعَلَتُنْ //ه///ه فعولن //ه/ه مفاعيلن //ه/ه/ه فاعلن /ه//ه فاعلاتن /ه//ه/ه مستفعِلن /ه/ه//ه مفْعولاتُ /ه/ه/ه/
ونعتمد في تحديد التفاعيل على ( قوانين التقطيع ) التالية:
1) إذا ابتدأ البيت بوتد ( //ه )؛ فضع قاطعاً قبل كل وتد.
2) إذا ابتدأ البيت بسبب فوتد ( /ه//ه )؛ فضع قاطعاً قبل كلّ سبب يليه وتد.
3) إذا ابتدأ البيت بسببين أو فاصلة؛ فضعْ قاطعاً بعد كل وتد.
4) إذا تجاورت في حشو البيت بعد تأصيله 3 أسباب متتالية ( /ه /ه /ه )؛ فضع قاطعاً بعد الحرفِ السابع دائماً.
بعد ذلك؛ ضع تحت كل تفعيلةٍ رمزية ما يقابلها من تفاعيلَ لفظية.

رابعاً : تحديد البحر : وذلك بمقارنة مجموعة التفاعيل التي يتركب منها البيت المُقطَّع مع التفاعيل التي يتركب منها كل بحرٍ على حدة.

مثال 1 : أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ......... ليومِ كريهةٍ وسَدادِ ثغْرِ
1- الترميز: //ه /ه /ه //ه ///ه //ه /ه ......... //ه ///ه //ه ///ه //ه /ه
حيث احتسبنا الياء المشدّدة في (أيّ) حرفين؛ ساكن فمتحرك، كما احتسبنا التنوين في (فتىً، كريهةًٍ) نوناً ساكنة. بينما أهملنا ألف التفريق بعد الواو في (أضاعوا).
2- تأصيل البيت: يتركب البيت - كما ترى - من أوتاد وأسباب وفواصل.
وجميع الفواصل هنا متبوعة بوتد وحيد، فهي فواصل أصلية (ولا ترد إلا في البحرين الوافر والكامل)، وليس في البيت أشكال عارضة (فاضلة، أوتاد متجاورة). لذا يعتبر البيت نموذجياً، ويمكن تحديد تفاعيله مباشرة.
3- تحديد التفاعيل: يبدأ البيت بوتد، فينطبق عليه قانون التقطيع الأول،
لذا نضع قاطعاً قبل كل وتد، هكذا :
//ه /ه /ه -//ه ///ه -//ه /ه .........//ه ///ه -//ه ///ه -//ه /ه
مفاعيلن مفاعلَتن فعولن ........ مفاعلَتن مفاعلَتن فعولن
4 - تحديد البحر: واضح أن البيت من (البحر الوافر)، وأن (مفاعيلن) فيه هي التفعيلة البديلة (مفاعلْتن) لورودها إلى جانب (مفاعلَتن).

مثال 2: يُعاتِبُني في الدَّيْنِ قومي وإنّما........ديونِيَ في أشياءَ تُكْسِبُهمْ حَمْدا
1-الترميز://ه ///ه /ه/ه //ه /ه //ه //ه ...... //ه ///ه /ه/ه //ه ///ه /ه /ه
3 2 1
2- تأصيل البيت: يوجد في البيت 3 فواصل عارضة (لأنها متبوعة بأسباب)، فتُردّ إلى أصلها ( /ه//ه )، كما يوجد 3 أوتاد متجاورة (موزعة على الشطرين) رقمناها من اليسار إلى اليمين، والوتد الزوجي منها عارض، فأصله سببان (/ه/ه). وبذلك يكون تركيب البيت بعد - تأصيله - هو :
//ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه/ه ...... //ه /ه //ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه/ه
3- تحديد التفاعيل :يبدأ البيت بوتد أيضاً، لذا نضع قاطعاً قبل كلّ وتد.
//ه /ه -//ه /ه /ه -//ه /ه -//ه /ه/ه ........ //ه /ه -//ه /ه /ه -//ه /ه -//ه /ه/ه
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ......... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
4- تحديد البحر: واضح أن البيت من (البحر الطويل)، وكانت صياغته قبل التأصيل هي:
فعولُ مفاعيلن فعولن مفاعِلن ......... فعولُ مفاعيلن فعولُ مفاعيلن

مثال 3: عَرَفَ الدّارَ فحيّا فناحا .......... بعدما كانَ صَحا واستراحا
1-الترميز: ///ه /ه ///ه /ه //ه /ه .......... /ه//ه /ه ///ه /ه //ه /ه
2- تأصيل البيت: في البيت 3 فواصل جميعها عارضة (لأنها متبوعة بأسباب)، فتُردّ إلى أصولها (/ه //ه) هكذا:
/ه//ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه .......... /ه//ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه
3- تحديد التفاعيل: يبدأ البيت بسبب فوتد، فينطبق عليه قانون التقطيع الثاني،
لذا نضع قاطعاً قبل كل سبب يليه وتد.
/ه//ه /ه -/ه //ه -/ه //ه /ه ........... /ه//ه /ه -/ه //ه -/ه //ه /ه
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ............ فاعلاتن فاعلن فاعلاتن
4- تحديد البحر: بالمقارنة نصل إلى أن البيت من (البحر المديد)، وكانت صياغته قبل التأصيل هي:
فعِلاتن فعِلن فاعلاتن ......... فاعلاتن فعِلن فاعلاتن

مثال 4: وَنَزَلَ الشّيْبُ ولَمْ نسْتعْدِهِ .......... بريبَةٍ على الشّبابِ فاحْتَمَلْ
1-الترميز: ////ه /ه ///ه /ه/ه //ه .......... //ه //ه //ه //ه //ه //ه
7 6 5 4 3 2 1
2- تأصيل البيت: يوجد في الشطر الأول فاضلة ( فأصلها /ه/ه//ه )، وفاصلة عارضة (فأصلها /ه//ه ). وفي البيت سلسلة من الأوتاد المتجاورة، فيُردّ العارض منها (الأرقام الزوجية) إلى الأصل ( /ه/ه ).
/ه/ه//ه /ه /ه//ه /ه/ه//ه ......... /ه/ه//ه /ه /ه//ه /ه/ه//ه
3- تحديد التفاعيل : يبدأ البيت بسببين، وبالتالي ينطبق عليه قانون التقطيع الثالث،
فنضع قاطعاً بعد كل وتد.
/ه/ه //ه- /ه/ه //ه- /ه/ه //ه ........... /ه/ه //ه- /ه/ه //ه- /ه/ه //ه
مستفعلن مستفعلن مستفعلن ........... مستفعلن مستفعلن مستفعلن
4 - تحديد البحر : بالمقارنة، يتبين أن البيت من (بحر الرجز).
وكانت صياغته قبل التأصيل هي :
فعِلَـتُن مستعِلن مستفعلن .......... متَفْعلن متَفْعِلن متَفْعلن

مثال 5 : أبَكَتْ تلكُمُ الحمامةُ أمْ غَنْـ ........... ـنَتْ على فرْعِ غصْنِها المَيّادِ
1-الترميز : ///ه /ه //ه //ه ///ه /ه ................ /ه //ه /ه //ه //ه /ه /ه /ه
2 1
2ـ تأصيل البيت: في البيت فاصلتان عارضتان، ووتدان متجاوران في كل شطر، فنرد كلّ عارضٍ إلى أصله:
/ه//ه /ه /ه /ه //ه /ه //ه /ه ............. /ه //ه /ه /ه /ه //ه /ه /ه /ه
3- تحديد التفاعيل: ظهرت بعد التأصيل 3 أسباب متجاورة في كل شطر، لذا نطبق قانون التقطيع الرابع، فنضع قاطعاً بعد الحرف السابع دائماً:
/ه //ه /ه- /ه /ه //ه- /ه //ه /ه ................ /ه //ه /ه- /ه /ه //ه- /ه /ه /ه
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ............... فاعلاتن مستفعلن مفعولن
4- تحديد البحر: بالمقارنة؛ يتضح أن البيت من (البحر الخفيف)، وقد جاء ضربه على (مفعولن).