الشكر للأخ مخلص النوايا الذي حفزني لتناول هذا الموضوع:



سأروي هنا ما علمنيه في المتوسطة أستاذي شعيب البكري يرحمه الله، فيما يخص النكرة في النداء. بأسلوبه الذي جعلني وسائر طلابه نتذوق النحو ونحس به متفاعلا مع نفوسنا ومشاعرنا فلا ننساه أبدا.

كان مما قاله لنا لو أن رجلين قالا جملة واحدة لرجل مر بكل منهما فأيهما الأعمى وأيهما المبصر ؟

أما الأول فقال : يا رجلُ خذ بيدي
وأمما الثاني فقال : يا رجلاً خذ بيدي

قال يرحمه الله

قول الأول نداء لنكرة مقصودة فبني المنادى على الضم، وطالما أن المنادى مقصود بعينه فلا يقصده إلا من يدركه ويراه. فإذن الأول هو المبصر.
قول الثاني : نداء لنكرة غير مقصودة، والجدير بهذه الصيغة هو الأعمى الذي لا يعرف المنادى.

المنادى في الحالتين نكرة شكلا، وهو لدى من يعرفه مقصود، ولدى من لا يعرفه غير مقصود.
وقد رجعت إلى الموسوعة الشعرية فلم أجد "يا معينا" ووجدت قول الشاعر:

نحن التقادير التي قدرتها = في نور نورك يا مهيمن يا معينْ

بتسكين نون معين وهذا جائز في آخر البيت ولكن حكمها حكم مهيمنُ البناء على الضم كنكرة مقصودة.
وقلت أبحث عن ( يا رسولا ) فوجدت للشاعر صالح الشرنوبي:
سيد الناس أتى الدنيا يتيما = عربيّاً قرشيّا هاشميّا
ألهم الدنيا الطريق المستقيما = وهدىالكون صبيّا ونبيّا

وبعدذ لك:

يا رسولاً منه يستوحى الزمنْ = كل لحن من أناشيد السلام
باسمك التاريخ غنّى وافتَتَن = وهدى للنور أبناء الظلام
فقلت ربما يكون هذا في صالح القول بجواز ( يا معينا) ، فالمنادى هو الرسول عليه السلام، وهو مقصود ونكرة ورغم ذلك جاء منصوبا.

ووجدت مثله لمحمد فرغلي الطهطاوي:

والصحيح أني لم أتوقع أن أجد مثل هذا، مع أني أتذكر الآن الكثير من الشعر الغزلي الذي يقصد المتكلم فيه محبوبا بعينه ولكنه يخاطبه ( يا حبيبا )

ومن ذلك قول ابن المعتز:
يا حَبيباً سَلا وَلَم أَسَلُ عَنهُ = أَنتَ تَستَحسِنُ الوَفاءَ فَكُنهُ

وقول البحتري:
يا حَبيباً لَم أَنَل مِنهُ عَلى = طول ما قاسَيتُ فيهِ دَرَكا

وللصاحب شرف الدين
يا حَبيباً لَهُ بِصَدْري وِدادٌ = رَحْبُ صَدْرِ الْفَضاءِ عَنهُ يَضيقُ
وبدا لي أن هذا يخالف سابق رأيي في الموضوع.

ورجعت إلى كتاب قطر الندى وبل الصدى، فوجدت فيه:
" يعني أن المنادى ينصب في ثلاث مسائل
إحداها أن يكون مضافا كقولك " يا عبدَ الله " و "يا رسول الله"
الثانية :أن يكون شبيها بالمضاف وهو " ما اتصل به شيء من تمام معناه " وهذا الذي به التمام إما أن يكون اسما مرفوعا بالمنادى، كقولك " يا محمودا فعلُه " و " يا حسناً وجهه " أو منصوبا به كقولك " يا طالعا جبلا" أو مخفوضا بخافض متعلق به كقولك " يا رفيقاً بالعباد" أو معطوفا عليه قبل النداء كقولك " يا ثلاثةً وثلاثين " في رجل سمّيته بذلك .
الثالثة : أن يكون نكرة غير مقصودة كقول الأعمى " يا رجلا خذ بيدي " وقول الشاعر :

يا راكباً إما عرضت فبلّغن = نداماي من نجرانَ ألا تلاقيا

ويضيف والمفرد المعرفة يبنى على ما يرفع به كـ" يا زيدُ " و " يا زيدانِ" و (يا زيدونَ) و " يا رجلُ" لمعيّن"
. ويضيف :" يستحق المنادى البناء بأمرين : إفرادِه وتعريفِه، ونعني بتعريفه أن يكون مرادا به معيّنٌ، سواء كان معرفة قبل النداء كزيد وعمرو، أو معرفة بعد النداء – بسبب الإقبال عليه – كرجل وإنسان تريد بهما معيّنا. فإذن وجد في الإسم هذان الأمران اسنحقّ أن يبنى على ما يرفع به لو كان معربا تقول " يا زيدُ " قال تعالى ( يا نوحُ قد جادلتنا ) ، ( يا جبالُ أوّبي )

أسأل الله للجميع كل خير.