تَيَمَّمُوا مِنْ تُرابِ الطُّهْرِ وَاتَّسَقُوا
طُيورَ عِشْقٍ، ومِنْ مَاءِ الغَمامِ سُقُوا

وقاتَلوا اللّيلَ مَزْهُوًّا بِظُلْمَتِهِ
وَحَطَّمُوا القَيْدَ فوقَ القَيْدِ، وَانْعَتَقُوا

ما ضرَّهُمْ في رَبيعِ العُمْرِ أَنْ سُجِنوا
فَالبَدْرُ رَغْمَ سَوادِ اللّيلِ يَأْتَلِقُ

أسودُ غابٍ إذا غابُوا وإنْ حَضَرُوا
يَشِيعُ مِنهُم بِقَلْبِ الغاصِبِ الفَرَقُ

لا السِّجنُ باقٍ، ولا السّجّانُ يا وَطَني
ولا الدُّموع، ولا الآهاتُ والحُرَقُ

لأَجْلِ عَيْنَيْكَ تَفْدِي الرُّوحُ آسِرَها
لوْ لمْ يَظلَّ بِها مِنْ ذَوْبِها رَمَقُ

كانوا يَبِيتُونَ في لَيلِ السُّجونِ رِضىً
مِثلَ النُّجومِ بِأَهْدابِ السَّما اعْتَلَقُوا

أَدْماهُمُ القَيْدُ لَكِنْ ظَلَّ عاشِقُهُمْ
فِي اللّيلِ يَحْدُو إِلى أَنْ ضَوَّأَ الفَلَقُ

كم عُذّبوا، وأُذِيقُوا الضَّيْمَ عَنْ عَمَدٍ
وَكَمْ أُرِيدُوا على ذُلٍّ وكم سُحِقُوا

لَكِنَّهُمْ مِثْلُ عُودِ النَّدِّ مُحْتَرِقًا
يَفُوحُ بِالطّيبِ ثَرًّا حِينَ يَحْتَرِقُ

كانوا إذا جُوِّعوا صامُوا، وإنْ عَطِشوا
صاموا، وإنْ حُرِموا صاموا، وإنْ رُزِقوا

يَظَلُّ بَعْضُ فُراتِ الماءِ فِي يَدِهِم
مُحرًّمًا، إنْ يُرَدْ ذُلاًّ به شَرِقُوا

لَيْسُوا بِأَسْرَى وَقَدْ أَسْرَى الهُيامُ بِهِمْ
لِساحَةِ المَسْجِدِ الأَقْصَى وَمِنْهُ رَقُوا

أَبْدانُهُمْ عَنْهُ، والأرواحُ عاكِفةً
تَفْدِيهِ مِمّن عَتَوْا فِيهِ وَمَنْ فَسَقُوا

فلا تَقُلْ عَجَبًا: ذابُوا بِهِ تَلَفًا
لِلْعاشِقِينَ طُقُوسٌ إِنْ هُمُ عَشِقُوا

أَعْمارُهُمْ فِي هَوَى أَوْطانِهِمْ كَمُلَتْ
إِنْ قِيلَ: ضاعَتْ، وغابَتْ عَنْهُمُ الطُّرُقُ

عُمْرُ الكَرِيمِ بِما يُعطِي إِذا أَخَذَتْ
مِنْهُ السِّنُونُ وَأَدْمَى قَلْبَهُ الرَّهَقُ

فَقُلْ لَهُمْ: أَنْتُمُ الأَحْرارُ فِي زَمَنٍ
تَسَيَّدَتْ فِيهِ عُبْدانٌ بِما ارْتَزَقُوا

وَاسْتَقْبِلِي يا فِلَسْطِينَ الهَوَى فَرَحًا
أَبْناءَكِ الغُرَّ، ما بِيعُوا وما سُرِقُوا

ظَلُّوا عَلَى العَهْدِ حُبُّ القُدْسِ يَنْظِمُهُمْ
وكلّما فُصِلُوا عَنْها، بِها الْتَصَقُوا

دَعِ اللَّيالِي تَزِدْ في طُولِها حَلَكًا
فَالفَجْرُ مِنْ ظُلُماتِ اللَّيْلِ يَنْبَثِقُ