أزعم أنني قرأت هذا الموضوع بتمعن وخرجت بالنقاط التالية :
ـ هناك خلط واضح بين نظرية النبر التي يقوم عليها الشعر االإنجليزي وعملية التبادل المنتظم للمقاطع القصيرة والطويلة على الشعر العربي ، هذا الخلط أوهم الأستاذين غالب الغول وفايل بأنهما نجحا في إسقاط نظرية النبر على العروض العربي الذي يعتمد على الكم والهيأة في آن ، يدلل على هذا تباين مفهوم النبر عند الأستاذين ،
قد يقال كيف يعتمد الشعر العربي على الكم والهيأة في آن ؟ أقول : كل نقص أي زحاف لا يخل بطبيعة الهيأة المعهودة لبحر ما ، فإذن هو نقص كمي لا تأثير له في علم العروض على المستويين : المستوى السمعي / الأذن الموسيقية ، والمستوى النظري : العين المجردة / الهيأة ، والعكس صحيح ، وذلك بعيدا عن مصطلحات النبر والتمديد الزمني ، فهذه أمور أبعد ما تكون عن علم العروض , أقرب ماتكون من علم الإنشاد الذي يتكئ على علم العروض والأخير لا يعتد به مطلقا ولا يؤثر عليه ، ومحاولات الزج بالإنشاد في عالم العروض سيكون لها تداعيات خطيرة ، لا تقف عند حدود التشكيك في علم أصيل من علوم العربية .
ــ الفرق بين المقطع المنتهي بمد والمقطع المنتهي بحرف ساكن أشار إليه الخليل في موطنه حيث تجب الإشارة إليه ، وهنا أقصد بالموطن : القافية ، ولم يُعرْ هذا الفارق أي اهتمام أو اعتبار فيما عدا ذلك ، لأنه كان يعي ما يفعل وهو يصرف منهجه المتكامل بشكل مجزء .
ــ مسألة الوقفات التي تحدث عنها الأستاذ الدكتور حركات تظهر بجلاء تأثير حدود التفاعيل على فكره .
والحق أنه أخطأ التسمية فمن خلال السياق يظهر أنه كان يتحدث عن السكتات وليس الوقفات ، فهناك فرق بين السكت والوقف / يراجع في ذلك علم قواعد التجويد ،
هناك قراءات قرآنية تعتمد السكت على الهمز بعد المد / يرجع إليه .
وأيا كانت النتيجة فإن العروض العربي لا يعتمد لا على السكت ولا على النبر في سبيل معادلة التفاعيل أو مقاطعها المتقابلة أو الأشطر ولكن يعتمد على الكم والهيأة معا ، بحيث أي نقص لا يغير طبيعة الهيأة لا يضيره ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم الزحافات المستحبة التي لا ولن تتأثر الهيأة معها على المستويين السمعي والبصري .
وحدود التفاعيل وسلطانها وهيمنتها على العقول ، واعتقاد وجوب سلامتها من الزحاف جملة وتفصيلا ، هو ما حدا بالبعض إلى البحث عن بدائل احتياطية تقوم مقام النقص الحاصل بسبب الزحاف ، هذه البدائل يدعونها مرة النبر ومرة تمديد المدة الزمنية على المقطع القصير وأشياء أخرى ، وكل هذا ناجم عن زوابع ذهنية داخل بعض الرؤوس لم تهدأ بعد ، سببها الخلط بين الأمور ، والحق أن العروض عروض والإنشاد إنشاد والنبر نبر ، كل له ميدانه .
إذا أدركنا أن النظر إلى البيت نظرة عامة غير مجزأة بعيدا عن التجزيئ سنعلم يقينا أن النقص الحاصل في الكم بسبب الزحاف المستحب أو المستحسن والذي لا تتغير معه الهيأة ، هو شيء طبيعي في موطنه وضمن مصفوفة مقاطعية معينة ، ويكون شيـئا غير عادي ولا طبيعي في تشكيل مقاطعي مختلف عن الأول من حيث العدد وطبيعة الاصطفاف المقاطعي ، مما يتحتم معه تغير صارخ في الهيأة ، وهنا نتحدث عن الزحاف [shr7=مثل شرح او رساله او تعليق الخ]القبيح [/shr7]،
فهل أدركتم الآن لماذا حدد الخليل رحمه الله طبيعة كل زحاف ، إنه كان ينطلق من تصور واضح ، علم من خلاله متى يكون الزحاف قبيحا ومتى يكون غير ذلك في "التفعيلة " الواحدة ، كمستفعلن مثلا ، ولكن بكل تأكيد لم تأسره التفعيلة لأنه هو الذي استعملها لتصريف منهجه ، لذلك ترى "متفعلن" الأولى والثالثة مقبولة بل مستحبة في بحر البسيط ، و"متفعلن" الثانية والرابعة منبوذة ومستكرهة ،
أما بعضالعروضيين فقد استعمَلَـتْهم التفعيلة وأرخت سدولها عليهم ، وحمَّلتْهم في غياب المنهج ما لا يُحتمل وراحوا ينظرون للوسيلة بلا منهج ، فضلوا وأضلوا .
عذرا على الإطالة مع التحية والود ،
المفضلات