http://omferas.com/vb/t54428/#post213921

اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ . د . محمد جمال صقر مشاهدة المشاركة
عَرُوضِيٌّ بَيْنَ مُوسِيقِيَّاتٍ
(قصة تدريس عروض الشعر لطالبات الموسيقى)
(1)
=====================================
يختص قسم الموسيقى بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية من جامعة السلطان قابوس، بناحية نائية من الطابق الأعلى، لم أجئها من قبل، تفتح فيها الفصول أبوابها، ويتردد بينها الطلاب وأغلبهم طالبات، ليعزفوا على الآلات الموزعة عليها نفخية ووترية وإيقاعية، أو يستمعوا إلى من يعزف؛ عسى أن يطلقوا نغمة، أو يمسكوا أخرى!
ليس أثقل من رجل غريب!
تقول عيون طالبات مجتمعات في الممر، مستوليات على المنظر!
ما أسعد حظوظنا جميعا!
تقول عيني الباحثة عن رقم 2401، في لوائح الأبواب المفتوحة!
نعم نعم، أنا أستاذ العروض.
يا حظكن؛ أستاذ جديد!
قالت إحدى طالبات منفردات بالفصل، وذهبت.
ليتني تأخرت قليلا؛ فهذه أستاذة روسية أعرفها، قد انتحت يسار الفصل تجادل طالبا غريبا بين الطالبات، ثم تذهب به، ولا دليل هنا على حدود المحاضرات، بفتح الباب أو إغلاقه!
لا بأس، لا بأس!
فتحت حاسوبي، ووصلته بالعارض، وأذعت على الطالبات بعض موادي الخاصة الممتزجة فيها الفنون اللغوية وغير اللغوية؛ فلم يملكن أنفسهن بعدما انتهت أن صفقن تصفيقا!
سلمت، وعرفت، وتعرفت.
الآن الآن -يا بنياتي- الآن الآن!
لقد رغبت من قديم في العمل بكلية الفنون الجميلة، أو كلية التربية الموسيقية، أو معهد الموسيقى العربية، أو معهد الكونسيرفتوار- أعلم موسيقى الشعر، وأتعلم موسيقى الآلات والموسيقى النظرية، حتى تعود الموسيقى اللغوية وغير اللغوية سيرتهما الأولى، مزاجين في شرابي، ووترين في عودي.
ولم أحظ بما رغبت إلا الآن!

***

- وزن الشعر.
- وقافيته؛ نعم فعروض الشعر وزنه وقافيته، وعلم العروض علم وزن الشعر وقافيته جميعا معا؛ ولهذا لم يعرف للخليل بن أحمد واضع العلم كتاب في علم القافية؛ فظن في مفقوداته التي لا تحصى، والحق أن القافية عنده مع الوزن في العروض، وعلمها مع علمه في علم العروض؛ وهو القائل في كتاب العين: "العروض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه"، وهو لا يقوم بوزنه دون قافيته التي يستقر عليها وزنه. ثم في الاشتغال بمفقوداته نظر، من حيث ينبغي أن نذكر أن الخليل بن أحمد أحد طائفة من العلماء -منهم أبو عمرو بن العلاء- ساء بالتأليف ظنهم، وأعجبهم تأليف طلاب العلم دون تأليف كتبه، فلما مات تداعى تلامذته: هلم نحي علم الخليل؛ فأحيا سيبويه علمه بالعربية (النحو)، وأحيا الليث علمه بالغريب (المفردات)، وأحيا الموصلي علمه بالإيقاع (الموسيقى)، وأحيا الأخفش علمه بالعروض (وزن الشعر وقافيته)، ...، وأحيا غيرهم علمه بغيرها.
- العروض والموسيقى!
- نعم، يا بنياني!
- وما للعروض والموسيقى؟
- ما لهما؟ أيتكن تعرف مجمع بينهما؟
- الأنغام.
- هه!
- الألحان.
- مم يتكون التعبير الموسيقى؟
- من أنغام وألحان.
- من أربعة عناصر: إيقاع، ولحن، وتوافق، وصورة؛ فاعلمن إذن أن العروض إيقاع خاص، وأن الإيقاع هو مجمع ما بين التعبيرين العروضي والموسيقى؛ وفي هذا ينبغي أن يكون مقال "الإيقاع بين العروض والموسيقى"، للدكتور يوسف شوقي. أتعرفنه؟
- وأنى لنا أن نعرفه!
- بل ينبغي أن تعرفنه قبلي؛ فلئن كان مصريا لقد انقطع هنا للموسيقى العمانية حتى جمع موادها، وأصل أصولها، وأسس مركزها!
- نعم نعم، أعرفه؛ لقد أحالنا على أعماله بعض أساتذتنا.
- الله أكبر! بارك الله فيك ، يا بنيتي؛ هلا تفضلت علي بها؛ عسى أن يكون منها مقاله ذاك "الإيقاع بين العروض والموسيقى"!
- أفعل، إن شاء الله!
- رحم الله الدكتور يوسف شوقي؛ أي رجل كان! نعم؛ لقد كان عالم الحفريات بقسم الجيولوجيا من كلية العلوم بجامعة القاهرة، وعالم الموسيقى العربية الفذ، والأديب الأريب الذي أوتي الفهم عن قدامى الكتاب العرب، حتى تولى تحقيق كتبهم، ولم تتعاظمه ضخامتها ولا قدامتها -نعم- وأحد كبار الموسيقيين الذين أقاموا بالقاهرة مؤتمر الموسيقى العربية العالمي الوحيد الخالد سنة 1932! ويا ما كان أعظم بهجة عمي هو وزملائه بقسم الجيولوجيا، حين علموا أنه سيدرس لهم؛ فتطلعوا إلى اختبار ما قدروه فيه، ويا ما كان أعظم اكتئابهم حين علموا أنه قد اعتذر باشتغاله!
ولم يكن لمثله ألا يكون في أصحاب محمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا! نعم؛ حدثنا الدكتور محمود محمد الطناحي أنه دخل بيت الأستاذ شاكر، ثم توصل إلى منتحاه؛ فإذا به قد اجتمع هو والدكتور يوسف شوقي والدكتور عبد الله الطيب المجذوب -رحمهم الله جميعا، وطيب ثراهم!- يتنازعون تمثيل رموز الأصفهاني الموسيقية في كتابه الأغاني -أظنها التي من مثل: الخفيف الأول والثاني...، بالوسطى في مجرى البنصر...- فهاله جبروت تفكيرهم؛ فولى عنهم!
ولقد رأيت لذلك -يا بنياتي- أن أبدأ بما كنت أنتهي إليه إذا درست علم العروض لطلاب قسم اللغة العربية وآدابها، كلمتي هذه "لولا الغناء لم يكن الشعر، ولولا المغني لم يكن الشاعر"؛ فلديكن من المعرفة الأولية ومن الأريحية الفنية، ما يغنيني عن طول التلطف في التأتي إليها.
****

يسعدني أن أتفيأ في هذا الركن الظلال الفكرية الوارفة لأستاذ د. محمد جمال صقر، الذي إليه يعود فضل اتضاح الفارقبين ( العروض) و (علم العروض) والذي تابعت منه المسيرة سعيا للربط بين شتى صورالإيقاع في الشعر والموسيقى بل والحركة والمعمار ومواضيع شتى. ولا يتسنى ذلك إلا من خلال مقياس مشترك بينها. إذ تفرق بينها مصطلحات الشكل ويجمعها جوهر المضمون. والرياضيات هي المقياس التجريدي المشترك الذي يعبر عن المضمون في كل منها. ومن هنا تأتي أهمية العروض الرقمي نهجا وشكلا.

أنقل من الرابط:
https://sites.google.com/site/alaroo...qaa-alkawnee-2

من ترجمتي لليوتيوب :
https://www.youtube.com/embed/zAxT0mRGuoY

" قد يبدو ما سأقوله لغزا أو نكتة سمجة ولكنه حقيقي.بتهوفن مؤلف روائع الموسيقى كان أصمفي أغلب فترات تأليفه. فكيف كان يأتي بتأليفها لبديع.يكمن الجواب في الأنماط التي تخفيها الأصوات [ والأوضح القول الأنماط التجريدية التي لا تعدو الأصوات أن تكون تجسيدا لها]. ونظرة إلى معزوفته ( ضوء القمر ) التي تبدأبتيار بطيء من الأنغام في مجموعات ثلاثية تظهر – على بساطة الأمر – بين الموسيقى والرياضيات.يقول بتهوفن :" عندما أعزف فإنني أعبر عن صورة في ذهني وأتبع خطوطها "

ويأتي هذا الموضوع في إطار التوعية على (الإيقاع الكوني) الذي أراه ذا صلة بموضوع أستاذنا، ودعوتي الأشبه بالأمنية التي تضمنها الرابط الأول:

" وعلى غرار دعوة كاتب النص الغربي إلى مشروعه، كم أتمنى لو يكون هناك مشروع عربي في هذا المجال ( الإيقاع الكوني ) ينطلق من فكر الخليل وكافة الدراسات العربية القديمة والحديثة. ويقيني أنه لو تم مثل هذافإن الرقمي سيكون له فيه دور إيجابي. مع أني أدرك أن الأرضية العربية ليست ملائمة فكريا للقيام بمثل هذا المشروع على مستوى العالم العربي."

ولا أرى أقدر وأجدر من أستاذنا د. محمد جمال صقر - بما آتاه الله من فكر وعلم وسعة أفق واتصال عابرللحدود وتجذر في الوسط الأكاديمي - في إعطاء هذا الاقتراح أملا في أن يتحقق.