وبهذا علقت على رأي المعري والتبريزي:

(وهكذا تبقى طريقة العرب متحكمة في توجيه فعل القراءة، حين لم يَجِد المعري نظيرا لوزن مقطوعة أبي تمام في المدونة القديمة، فعمد إلى القياس، حيث خلص إلى إمكانية قياس هذا الوزن "المحدث" على ثلاثة بحور في تلك المدونة، أقربها بحر المنسرح في نوعه الثالث الذي تأتي عرُوضه [العروض هي الضرب] مكشوفة منهوكة( )، إذ يمثل هذا النوع من المنسرح، مشطور هذا الوزن المحدث، مع التزام خبن العروض إلى جانب كشفها؛ علما أن الخطيب التبريزي قد علق على هذا الضرب من المنسرح في كتابه الكافي في العروض والقوافي، قائلا: (وهذا عندي ليس شعرا)( )؛ لكنه تبنى رأي المعري في القياس دون أن يعلق عليه كما يتضح من النص السالف.
أما البحران الآخران اللذان قاس عليهما المعري هذا الوزن المحدث، فهما الرجز أو السريع، ورغم أنه لم يوضح وجه القياس، إلا أن المتأمل يستنتج أن هذا الوزن يمكن أن يحمل على نمطين من بحر الرجز: النمط الأول يتمثل في منهوك الرجز، والذي يمثل مشطور هذا الوزن المحدث، مثلما حدد المعـري ذلك في المنسـرح، مع قطـع العروض ـ التي هي الضرب ـ وخبنها، والنمط الثاني هو مجزوء الرجز، مع قطع عروضه وضربه وخبنهما، رغم أن هذه التغيرات لم يُسمع بها عن العرب.
أما حمل هذا الوزن على البحر السريع، فالأقرب أن يُحمل على مشطوره، حين يكون ضربه مكشوفا مخبونا، حيث يمثل مشطورَ هذا الوزن، كما في الضرب الثالث من المنسرح ومنهوك الرجز.
إن كل هذا الجهد في البحث عما يمكن أن يُحْمَل عليه هذا الوزن الذي لم يذكره الخليل، ولا يوجد مثله في الشعر القديم، يدل على نمط محدد من فعل القراءة، متمثلا في الالتزام بالمعايير الجمالية، إذ إن المعري ابتداء، والتبريزي اتباعا، تجشما عناء البحث عن نظائر هذا الوزن في النظام الذي تأسست عليه المدونة القديمة، وقد كان بإمكانهما أن يعدّلا أفق التوقع، ويعتبراه البحر السابع عشر من البحور العربية! إلا أن ذلك الاعتبار لم يحدث، لأن هذا الوزن يفتقد سمة الشرعية، لأنه "محدث"، ولأن أفق القراءة مقيد بالبحور الستة عشر!)