الموسوعة الشاملة
www.islamport.com



الكتاب : نضرة الاغريض في نصرة القريض
المؤلف : المظفر بن الفضل
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

وسانشر حسب ما يتيسر مختارات من الكتاب :

وحبذا لو شاركنيالنقل منه من يشاء مما يراه مناسبا. على ألا يتجاوز ثلاث صفحات في كل مشاركة.

http://islamport.com/w/adb/Web/629/38.htm


باب السرقة
:

http://islamport.com/w/adb/Web/629/35.htm



والسَّرقة في الأشعارِ تنقسمُ الى قِسمين: محمود ومذموم. وكانت فحول شعراء العرب تستقبحُ سَرِقَةَ الشعرِ كما قال طَرَفة:
ولا أغيرُ على الأشعارِ أسْرِقُها ... عنها غَنِيتُ وشرُّ الناسِ من سَرَقا
ومع هذا فلهم سَرِقاتٌ مُستَقْبَحةٌ، وإغاراتٌ بزنادِ الإكثارِ مُستَقْدَحة.
فأما المحمود من السَرِقة فهو عشرةُ وجوه: الأول: استيفاءُ اللفظِ الطويل في الموجز القليل. قال طرفة:
أرى قبرَ نحّامٍ بخيلٍ بمالِه ... كقَبْرِ غَويٍّ في البِطالةِ مُفْسِدِ
اختصَرَهُ ابنُ الزِّبَعْرى فقال:
والعَطِيّاتُ خِساسٌ بيْنَنا ... وسواءٌ قبرُ مُثْرٍ ومُقِلّ
فشغَل صدرَ البيتِ بمعنىً وجاء ببيتِ طَرَفة في عَجز بيت أقصرَ منه بمعنىً لائح، ولفظٍ واضح.
الثاني: نقْلُ الرَّذْل الى الرصينِ الجَزْل. قال أعرابي يتمنى موْتَ زوْجَته:
ألا إنّ موتَ العاميّةِ لو قَضى ... بهِ الدّهرُ لابن الوائليِّ حياةُ
المعنى لطيفٌ واللفظُ ضعيفٌ، أخذَه أخو الحارث بن حِلِّزة فقال:
لا تكُنْ مُحتقِراً شأنَ امرئٍ ... رُبما كان من الشأنِ شُؤون
ربما قرّتْ عُيونٌ بشَجاً ... مُرْمضٍ قد سخِنَتْ منه عُيونُ
الثالث: نقْل ما قبُحَ مبناهُ دون معناهُ الى ما حَسُن مبناهُ ومعناه. قال الحكميّ:
بُحَّ صوْتُ المالِ ممّا ... منكَ يشكو ويَصيحُ
معناه صحيحٌ ولفظُهُ قبيحٌ، أخذَه سَلْمٌ فقال:
تظلَّمَ المالُ والأعداءُ من يدِه ... لا زالَ للمالِ والأعداءِ ظَلاّما
فجمعَ بين تظلُّمَيْن كريمين، ودعا للممدوحِ بدوامِ ظُلمِه للمالِ والأعداء، وجوّدَ الصَنعةَ في لفظِه وأخذِه.
الرابع: عكْسُ ما يصير بالعكس ثناءً بعد أن كان هِجاء.
ما شئت من مالٍ حمىً ... يأوي إلى عِرْضٍ مُباحِ
فعكَسهُ القائلُ فقال:
هوَ المرءُ أمّا مالُه فمُحلّلٌ ... لِعافٍ وأما عِرْضُهُ فمحرَّمُ
الخامس: استخراج معنىً من معنىً احتذى عليه وإن فارقَ ما قصَدَ به إليه. قال الحَكَميّ في الخَمْر:
لا ينزِلُ الليلُ حيثُ حلّتْ ... فدَهْرُ شُرّابِها نهارُ
احتذَى عليه البحتري، وفارقَ مقصدَ الحكمي فجعلَهُ في محبوبةٍ فقال:
غابَ دُجاها وأيُّ ليلٍ ... يدجو عليْنا وأنتِ بدرُ!؟
السادس: توليدُ كَلامٍ من كلام لفظُهما مفترِقٌ ومعناهما متّفِق، وهو ممّا يدُل على فطنة الشاعر، أنشد الأصمعي لبعضهم:
غُلامُ وغىً تقحَّمها فأوْدَى ... وقد طحَنَتْهُ مِرداةٌ طحونُ
فإنّ على الفَتى الإقدامَ فيها ... وليسَ عليه ما جَنَتِ المَنونُ
أخذَه أبو تمام فقال:
لأمْرٍ عليهم أن تتمّ صدُورُه ... وليس عليهم أن تتِمَّ عواقِبُهْ
المعنى متفق واللفظُ مفترقٌ، وهذا من أحسَنِ وجوهِ السّرِقات.
السابع: توليدُ معانٍ مُستحسناتٍ في ألفاظٍ مختلفاتٍ، وهذا قليلٌ في الأشعارِ، وكان من أجدَرِ ما كَدّ الشاعرُ فطنتَهُ فيه، إلا أنّه صعبٌ. قال الشاعر:
كأنّ كؤوسَ الشَّرْبِ والليلُ مُظلِمٌ ... وجوهُ عَذارى في ملاحفَ سودِ
اشتقّ ابنُ المعتزّ منه قوله:
وأرى الثُريّا في السّماءِ كأنّها ... قدَمٌ تبدّتْ من ثيابِ حِدادِ
الثامن: المساواةُ بين المسروق منه والسارِق، بزيادة ألحَقَتِ المسبوقَ بالسابِقِ. قال الديك:
مُشَعْشَعةٌ من كفِّ ظبيٍ كأنّما ... تناولَها من خَدِّه فأدارَها
أخذَه ابنُ المعتز فقال:
كأنّ سُلافَ الخَمرِ من ماءِ خدّه ... وعنقودَها من شَعْرِهِ الجَعْدِ يُقْطَفُ

فزادَ تشبيهاً هو من تَمامِ المعنى، فتساويا؛ هذا بقِدمَتِه، وهذا بزيادته، ومثلهُ كثير.
التاسع: المماثلةُ في الكلام حتى لا يفضل نِظامٌ على نظام. قال حسّان بن ثابت:
يُغْشَوْن حتى ما تهِرُّ كِلابُهم ... لا يسألونَ عن السّوادِ المُقبِل
أخذَهُ الحَكميّ فقال:
الى بيتِ حانٍ لا تهِرُّ كلابُه ... عليّ، ولا يُنْكِرْنَ طولَ ثوائي
لا فرق بين المعنيين ولا الكلامين فقد تماثلا.
العاشر: رُجحانُ لفظِ الآخذ على المأخوذ منهُ وتفضيلُ معناه على معنى أصدره عنه. قال النابغة:
سقَطَ النّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه ... فتناولَتْهُ واتّقَتْنا باليَدِ
أخذَه أبو حَيّة النُميريّ فقال:
فألْقَتْ قِناعاً دونَه الشمسُ واتّقَتْ ... بأحسَنِ موصولين: كفٍ ومِعصمِ
فلم يزِدْ النابغةُ على الإخبارِ باتقائها بيدِها لمّا سقطَ نصيفُها، فزادَ عليهِ أبو حيّة بقوله: دونَه الشمسُ، وخبّر عن الاتقاء بأحسن خبر، من حُسْنِ كفٍّ وحُسْنِ معصَمٍ، فرجَحَ كلامُه وعَلا نِظامُه.
وأما المذمومُ من السّرقةِ فعشرةُ وجوه أيضاً: الأول: نقلُ اللفظِ القصيرِ الى الطويل الكثير. قال الحَكَميّ:
لا تُسْدِينّ إليّ عارِفةً ... حتى أقومَ بشكرِ ما سَلَفا
أخذَه دِعْبل فقال:
تركتُكَ، لم أتركْكَ كُفْراً لنعمةٍ ... وهل يُرتَجى نيْلُ الزّيادةِ بالكُفْر
ولكنني لما رأيتُكَ راغِباً ... وأفرطتَ في برّي عجَزْتُ عن الشُكر
الشعرُ جيدُ المعنى واللفظ، ولكنه أتى به في تطويل وتضمين، فنقل القصيرَ الى الطويل، وذلك مذمومٌ في السّرقَة.
الثاني: نقْلُ الرصين الجَزْل الى المُسْتَضْعفِ الرّذْل. قال الأول:
ولقد قتَلتُك بالهجاء فلم تَمُتْ ... إنّ الكِلابَ طويلةُ الأعمارِ
ما زالَ ينبَحني ليَشْرُفَ جاهِداً ... كالكلبِ ينبَحُ كامِلَ الأقمارِ
أخذَه ابنُ طاهر فقال:
وقد قتلناكَ بالهجاءِ ... ولكنّك كلبٌ معَقَّفٌ ذَنبُه
فجمَع بين قُبحِ السّرقة، وضعْفِ العبارة، ولا وجهَ لذكر التعقيفِ في الذنَب، لأنه غيرُ دالٍ على طول العمر، وهذا ظاهرٌ ومثلُه كثير.
الثالث: نقْلُ ما حسُنَ معناهُ ومبناهُ الى ما قَبُح مبناهُ ومعناه. قال الكندي:
ألمْ تَرَ أنّي كلما جِئْتُ طارِقاً ... وجدتُ بها طِيباً وإنْ لم تَطَيَّبِ
أخذه بشار فقال:
وإذا أدْنَيْتَ منها بَصَلاً ... غلبَ المِسكُ على ريحِ البَصَل
وهذا أنزلُ شعرٍ في الرذالةِ، كما أنّ بيتَ الكندي أرفعُ بيتٍ في الجَوْدَة والجزالة، وقد أخذ كُثيِّرٌ المعنى، فطوّل وضمّن وقصّر، وزعمَ أنهاإذا تبخّرَتْ كانت كالروضة في طيبها. ولا يُعدَم هذا في أسهَكِ البشرِ جسماً وأوضَرهم حالاً، وشعرُهُ معروف.
الرابع: عكس ما يصيرُ بالعكس هجاءً بعدَما كان ثناءً. قال حسّان بن ثابت:
بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ... شُمُّ الأنوفِ من الطّرازِ الأوّلِ
أخذَه ابنُ أبي فنن فعكسه فقال:
سودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ... فُطْسُ الأنوفِ من الطراز الآخ
ر
الخامس: نقْلُ ما حسُنَتْ أوزانُه وقوافيه الى ما قبُحَ وثَقُل على لسان راويه. قال الحكمي:
دعْ عنكَ لَوْمي فإنّ اللومَ إغراءُ ... وداوِني بالتي كانتْ هيَ الداءُ
أخذَه الطائي فقال:
قدْكَ اتَئِبْ أربَيْتَ في الغُلَواءِ ... كمْ تعذِلونَ وأنتُم سُجَرائي
فالحكَمي زَجَر عذولَه زجْراً لطيفاً، أعلمَه أن اللّومَ إغراء، وشغل عجُزَ بيتِه بمعنى آخر، بكلامٍ رطْبٍ، ومعنىً عذْبٍ والطائي زجَرَ عذولَه بلفظٍ مُتعسّفٍ تصعُبُ راويتُهُ، وتُستكرَهُ قافيتُه.
السادس: حذفُ الشاعر من كلامِه ما هو من تَمامه. قال الكِنْدي:
نظَرَتْ إليكَ بعينِ جازِئَةٍ ... حوْراءَ حانِيةٍ على طِفْلِ
أخذَهُ المُسيّبُ بن علَس فقال:
نظرَتْ إليكَ بعينِ جازِئَةٍ ... في ظِلِّ فاردةٍ من السِّدْرِ


التوارد :


وأما التوارد فهو اتفاقُ الخواطرِ في البيتِ والبيتين، وإنّما سمّوهُ توارداً أنفَةً من ذكرِ السّرقَةِ وتكبراً عن السّمة بها. قال عَلقمةُ بن عَبَدَة:
أمْ هلْ كبيرٌ بَكى، لم يقْضِ عَبْرَتَهُ ... إثْرَ الأحبةِ، يومَ البيْنِ مَشكومُ
وقال أوس بن حَجَر:
أمْ هل كبيرٌ بكى لم يقْضِ عَبْرَتهُ ... إثرَ الأحبةِ يومَ البينِ معذورُ
وقال طرفة:
فلولا ثلاثٌ هُنّ من حاجةِ الفتى ... وجدِّكَ لم أحفِلْ متى قامَ عُوَّدي
وقال نُهَيك:
ولولا ثلاثٌ هُنّ من حاجةِ الفَتى ... وجَدِّكَ لمْ أحفِلْ متى قامَ رامسي
وقال مُزاحم العُقيلي:
تكادُ مَغانيها تقولُ من البِلى ... لسائِلها عن أهلِها لا تَعمَّلِ
وقال ضابئ:
تكادُ مغانيها تقولُ من البِلى ... لسائِلها عن أهلِها ولا تَعَمّلا
وقال عَديّ بن زَيْد:
وعاذلةٍ هبّتْ بليْلٍ تلومُني ... فلما غلَتْ في اللوْمِ قُلتُ لها اقصِدي
وقال عمرو بن شأس:
وعاذِلةٍ هبّتْ بليْلٍ تلومُني ... فلما غَلَتْ في اللّومِ قُلتُ لها مَها
وقال أوس بن حَجر:
حرْفٌ أخوها أبوها من مُهجّنَةٍ ... وعمُّها خالُها قوداءُ مِئشيرُ
وقال كعب بن زهير:
حرْفٌ أخوها أبوها من مُهجَّنةٍ ... وعمُّها خالُها قوداءُ شِمْليلُ
وقال كعب الأشقري:
لم يركبوا الخيلَ إلا بعدَما هَرِموا ... فهُمُ ثِقالٌ على أكتافِها مِيلُ
وقال جرير:
لم يركبوا الخيلَ إلا بعدَما هرِموا ... فهم ثِقالٌ على أكتافِها عُزُفُ
ومثلُ هذه الأبيات في أشعار العرب أكثرُ من أن تُحصى وأعظمُ من أن تُسْتَقصى، وأنا لا أعدُّ ذلك توارداً اتفقَتْ عليه الخواطرُ، وتشابَهَتْ فيه الضمائر، بل أعُدُّه سرِقَةً مَحْضَة وإغارةً على الأشعارِ مُرفَضّة. وقد أوردَ ابنُ السِّكيت قولَ امرئ القيس: وقوفاً بها صحبي البيت، وقولَ طرفة في باب السَرِقات، والذي ذهب إليه هو الصحيح، وإنّما يتّفق للشاعرين معنىً ويلزمان أن يَنْظماهُ على قافيةٍ واحدة فربما تَواردا في بعض الكلام. من ذلك ما حكاه أبو القاسم الأندلسي وغيرُه في أشعار المَغارِبَة، قال: كان بين يدي محمد بن عبّاد صاحب الغَرب جاريةٌ في يدها كأسٌ وهي تَسقيه، فلمع البرق فارتاعتْ له فسقط الكأس من يدها فقال مُرتَجِلاً:
روّعها البرقُ وفي كفِّها ... برْقٌ من القهوةِ لمّاعُ
يا ليْتَ شِعري وهي شمسُ الضُحى ... كيفَ من الأنوارِ ترْتاعُ
ثم قال لبعض خدمه: مَنْ على باب القصر من الشعراء؟ فقال: عبد الجليل بن وهبون، فأمَه بإحضاره. فلمّا مثُلَ بين يديه قصّ عليه القصّة وأنشدَه البيتَ الأول وقال له: أجِزْه فأنشأ:
ولنْ ترى أعجبَ من آنِسٍ ... من مثلِها ما يُمْسِكُ يرتاعُ
ومثل هذا يمكن أن يقع ولا يُنكَر ولا يُدفَع.
وحكى الأندلسي قال: حدّثَني محمد بن شرف القيرواني قال: أمرَني المُعِز بن باديس وأمرَ حسنَ بنَ رشيق في وقت واحد أن نصِفَ الموزَ في شعرٍ على حرف الغَيْن، فجلس كل واحد منا بنَجْوَةٍ عن صاحبهِ بحيثُ لا يقفُ أحدُنا على ما يصنَعُهُ الآخر، فلمّا فرَغنا من الشعرِ عرَضْناه عليه، فكان الذي صنعتُه أنا:
يا حبّذا الموزُ وإسعادُه ... من قبل أن يَمْضغه الماضِغُ
لانَ فما نُدرِكُ جَسّاً لهُ ... فالفَمُ ملآنُ بهِ فارِغُ
سِيّانَ قُلنا مأكَلٌ طيّبٌ ... فيهِ وإلاّ مشْرَبٌ سائِغُ
وكان الذي صنعه ابنُ رشيق:
موزٌ سريعٌ سوْغُهُ ... من قَبلِ مضْغِ الماضِغِ
مأكلَةٌ لآكلِ ... ومشرَبٌ لسائِغِ
فالفمُ من لينٍ به ... ملآنُ مثلُ فارغِ