أستاذي الفاضل د. ضياء الدين الجماس

رحم الله سيد قطب،

http://www.islamport.com/b/1/tfaseer...%E4%20063.html

ومن إحسانه في الخلق بدء خلق هذا الإنسان من طين . فالتعبير قابل لأن يفهم منه أن الطين كان بداءة ، وكان في المرحلة الأولى . ولم يحدد عدد الأطوار التي تلت مرحلة الطين ولا مداها ولا زمنها ، فالباب فيها مفتوح لأي تحقيق صحيح . وبخاصة حين يضم هذا النص إلى النص الآخر الذي في سورة « المؤمنون » . . { خلق الإنسان من سلالة من طين } . . فيمكن أن يفهم منه أنه إشارة إلى تسلسل في مراحل النشأة الإنسانية يرجع أصلاً إلى مرحلة الطين .
وقد يكون ذلك إشارة إلى بدء نشأة الخلية الحية الأولى في هذه الأرض؛ وأنها نشأت من الطين . وأن الطين كان المرحلة السابقة لنفخ الحياة فيها بأمر الله . وهذا هو السر الذي لم يصل إليه أحد . لا ما هو . ولا كيف كان . ومن الخلية الحية نشأ الإنسان . ولا يذكر القرآن كيف تم هذا ، ولا كم استغرق من الزمن ومن الأطوار . فالأمر في تحقيق هذا التسلسل متروك لأي بحث صحيح؛ وليس في هذا البحث ما يصادم النص القرآني القاطع بأن نشأة الإنسان الأولى كانت من الطين . وهذا هو الحد المأمون بين الاعتماد على الحقيقة القرآنية القاطعة وقبول ما يسفر عنه أي تحقيق صحيح .

(6/27)

غير أنه يحسن بهذه المناسبة تقرير أن نظرية النشوء والارتقاء لدارون القائلة : بأن الأنواع تسلسلت من الخلية الواحدة إلى الإنسان في أطوار متوالية؛ وأن هناك حلقات نشوء وارتقاء متصلة تجعل أصل الإنسان المباشر حيواناً فوق القردة العليا ودون الإنسان . . أن هذه النظرية غير صحيحة في هذه النقطة وأن كشف عوامل الوراثة التي لم يكن دارون قد عرفها تجعل هذا التطور من نوع إلى نوع ضرباً من المستحيل . فهناك عوامل وراثة كامنة في خلية كل نوع تحتفظ له بخصائص نوعه؛ وتحتم أن يظل في دائرة النوع الذي نشأ منه ، ولا يخرج قط عن نوعه ولا يتطور إلى نوع جديد . فالقط أصله قط وسيظل قطاً على توالي القرون . والكلب كذلك . والثور . والحصان . والقرد . والإنسان . وكل ما يمكن أن يقع حسب نظريات الوراثة هو الارتقاء في حدود النوع نفسه . دون الانتقال إلى نوع آخر . وهذا يبطل القسم الرئيسي في نظرية دارون التي فهم ناس من المخدوعين باسم العلم أنها حقيقة غير قابلة للنقض في يوم من الأيام!

--------------------------------------------------
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=276628

وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن , الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه , وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها . . كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه !
وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة - أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا - تحتوي أولا على خطأ منهجي أساسي . كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم :
الأولى:هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع . ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم . أو الاستدلال له من العلم . على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه , ونهائي في حقائقه . والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس , وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق , لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته , وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة .
والثانية:سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته . وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق - بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية - مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي . حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله ; بل يصادقه ويعرف بعض أسراره , ويستخدم بعض نواميسه في خلافته . نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق , وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة !
والثالثة:هي التأويل المستمر - مع التمحل والتكلف - لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر . وكل يوم يجد فيها جديد .
وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن , كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا . .
ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات - ومن حقائق - عن الكون والحياة والإنسان في فهم القرآن . . كلا ! إن هذا ليس هو الذي عنينا بذلك البيان . ولقد قال الله سبحانه: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). . ومن مقتضى هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله . وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا .
فكيف ? ودون أن نعلق النصوص القرآنية النهائية المطلقة بمدلولات ليست نهائية ولا مطلقة ? هنا ينفع المثال:
يقول القرآن الكريم مثلا: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا). . ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون . . الأرض بهيئتها هذه وببعد الشمس عنها هذا البعد , وبعد القمر عنها هذا البعد , وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها , وبسرعة حركتها هذه , وبميل محورها هذا , وبتكوين سطحها هذا . . وبآلاف من الخصائص . . . هي التي تصلح للحياة وتوائمها . . فليس شيء من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة . . هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا)وتعميقه في تصورنا . . فلا بأس من تتبع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه . . وهكذا . .
هذا جائز ومطلوب . . ولكن الذي لا يجوز ولا يصح علميا , هذه الأمثلة الأخرى:
يقول القرآن الكريم: خلق الإنسان من سلالة من طين . . ثم توجد نظرية في النشوء والارتقاء لوالاس ودارون تفترض أن الحياة بدأت خلية واحدة , وأن هذه الخلية نشأت في الماء , وأنها تطورت حتى انتهت إلى خلق الإنسان . فنحمل نحن هذا النص القرآني ونلهث وراء النظرية . لنقول:هذا هو الذي عناه القرآن !!
لا . . إن هذه النظرية أولا ليست نهائية . فقد دخل عليها من التعديل في أقل من قرن من الزمان ما يكاد يغيرها نهائيا . وقد ظهر فيها من النقص المبني على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة التي تحتفظ لكل نوع بخصائصه ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر , ما يكاد يبطلها . وهي معرضة غدا للنقض والبطلان . . بينما الحقيقة القرآنية نهائية . وليس من الضروري أن يكون هذا معناها . فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان ولا تذكر تفصيلات هذه النشأة . وهي نهائية في النقطة التي تستهدفها وهي أصل النشأة الإنسانية . . وكفى . . ولا زيادة . .
ويقول القرآن الكريم: (والشمس تجري لمستقر لها). . فيثبت حقيقة نهائية عن الشمس وهي أنها تجري . . ويقول العلم:إن الشمس تجري بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدرت بنحو 12 ميلا في الثانية . ولكنها في دورانها مع المجرة التي هي واحدة من نجومها تجري جميعا بسرعة 170 ميلا في الثانية . . ولكن هذه الملاحظات الفلكية ليست هي عين مدلول الآية القرآنية . إن هذه تعطينا حقيقة نسبية غير نهائية قابلة للتعديل أو البطلان . . أما الآية القرآنية فتعطينا حقيقة نهائية - في أن الشمس تجري - وكفى . . فلا نعلق هذه بتلك أبدا .
ويقول القرآن الكريم: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما). . ثم تظهر نظرية تقول:إن الأرض كانت قطعة من الشمس فانفصلت عنها . . فنحمل النص القرآني ونلهث لندرك هذه النظرية العلمية . ونقول:هذا ما تعنيه الآية القرآنية !
لا . . ليس هذا هو الذي تعنيه ! فهذه نظرية ليست نهائية . وهناك عدة نظريات عن نشأة الأرض في مثل مستواها من ناحية الإثبات العلمي ! أما الحقيقة القرآنية فهي نهائية ومطلقة . وهي تحدد فقط أن الأرض فصلت عن السماء . . كيف ? ما هي السماء التي فصلت عنها ? هذا ما لا تتعرض له الآية . . ومن ثم لا يجوز أن يقال عن أي فرض من الفروض العلمية في هذا الموضوع:إنه المدلول النهائي المطابق للآية !
وحسبنا هذا الاستطراد بهذه المناسبة , فقد أردنا به إيضاح المنهج الصحيح في الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها , دون تعليقها بنظرية خاصة أو بحقيقة علمية خاصة تعليق تطابق وتصديق . . وفرق بين هذا وذاك
في الظلال المجلد الأول "الصفحات إلى 181 إلى 184