من فائدة ما طرحه أستاذي عزيز القضاعي وأرجو أن يستفيد منه هذا النقل من كتاب ( قراضة الذهب) لابن رشيق القيرواني:

وأنصح بقراءته : http://www.alukah.net/library/0/42601/


ويمضي ابن رشيق في عرض هذه الموضوعات محللاً ومناقشاً ومفاضلاً بين عدد من الشعراء مصدراً عن رأي صائب وذوق رفيع فيقول: .. .. .. .. .. ..
«والمعاني التي يقال إنها اختراعات وأخذها سرقات إنما هي المقاصد وترتيبها والطرق إليها هي التي يسمي أخذها سرقة لا محالة كقول أبي نواس: .. .. .. .. ..
بنينا على كسرى سماء مدامة .. .. مكللة( ) حافاتها بنجوم
فلورد في كسرى بن ساسان روحه .. .. إذا لا اصطفاني دون كل نديم

وقوله: .. .. .. .. .. .. .. ..
وكأني ما أزين منها .. .. .. قعدي يزين التحكيما
لم يطق حمله السلاح إلى الحرب .. ..فأوصى مطيقه أن يقيما

قال:«القعدية طائفة من الخوارج ترى الخروج وتأمر به ولا تخرج بأنفسها يزعمون أن منهم عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما تزيناً به. .. .. .. .. ..
وقول أبي نواس أيضاً: .. .. .. .. .. .. ..
قد قلت للعباس معتذراً .. .. من ضعف شكريه ومعترفا
أنت امرؤ قلدتني نعما .. .. ..أوهت قوى شكري فقد ضعفا
فإليك مني اليوم معذرة .. .. جاءتك بالتصريح منكشفا

وكقوله في صفة الكؤوس: .. .. .. .. .. .. ..
في كؤوس كأنهن نجوم .. .. ..دائرات بروجها أيدينا
طالعات مع السقاة علينا .. .. ..فإذا ما غربن يغربن فينا

قال ابن رشيق: فإن هذا وأشباهه مما انفرد به كل واحد من الشعراء, وإن كان ذلك قليلاً جداً لا يكاد يتناوله حاذق إلا أن يزيد فيه زيادة تحسنه أو ينقص من لفظه ويستوفي معناه فيكون له أيضاً فضيلة الإيجاز ولذلك تحامي الناس أشياء كثيرة من المعاني أخذت حقها من اللفظ فلم يبق فيها فضله تلتمس والقرائح تتفاضل. ألا ترى إلى قول جميل في صفة امرأة فاجأها: .. .. ..
غدا لاعب في الحي لم يدر أننا .. ..نمر ولا أرض لنا بطريق
فلما افتجيناه اتقانا بكمه .. .. وأعلن من روعاتنا بشهيق

كيف وصف حقيقة الحال حتى صورها تصويراً مع حسن لفظة وجزالة بنية, ومع ذلك ليس ببالغ قول النابغة: .. .. .. .. .. .. .. ..
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه .. ..فتناولته واتقتنا باليد
على أن النابغة أقدم عصرا ًوأشبه بالفخامة من جميل. .. .. .. ..
وكذلك قول الطرماح يصف أثر لحي الناقة في الأرض: .. .. .. ..
وتوضع مشكوكين ألقتهما معاً .. ..كوطأة ظبي القف بين الجعائن
لم يبلغ به قول المخبل السعدي يصف داراً مقفرة( ) .. .. .. ..
وكأنما أثر النعاج بحوها .. .. ..بمدافع الركنين درع جواد
وقد نقله ابن المعتز على جهته فقال في صفة دار: .. .. .. .. ..
كأن آثار وحشي الظباء بها .. .. ..درع تخلفها أظلافها نشق
وأنشد أبو عمرو الشيباني في القرموظ من شمر الغضا وهو كالرمان: .. .. ..
وينشر جيب الدرع منها إذا مشت .. .. جميل كقرموظ الغضا الخضل الندى
ولا أدري هذا الشعر قبل النابغة أم بعده وعلى كل حال فقول النابغة: .. .. ..
يخططن بالعيدان في كل منـزل .. .. ..ويخبآن رمان الثدي النواهد
أجل منه وأجود سبكاً وأحسن ديباجة. .. .. .. .. .. ..
وقال الفرزدق: .. .. .. .. .. .. ..
وغد وبعد غد كلا يوميهما .. .. ..يبدي لك الخبر الذي لم تعلم
هكذا أنشده برفع «بعد» جعله اسماً وقد قصر عن قول طرفة: .. .. .. ..
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً .. ..ويأتيك بالأخبار من لم تزود
لأنه جاء بالتقسيم في بيت. .. .. .. .. .. .. ..
ومن هنا ندرك أن ابن رشيق في كثير من أحكامه ومقاييسه النقدية من خلال فنون البلاغة التي عرضها مجملاً. ندرك أنه يعمم الحكم في الحسن والجودة وعدمها, دون أن يبين وجه الحسن ووجه الجودة والرداءة من خلال الفن البلاغي الذي يعرضه, وإنما يكتفي بقوله: .. .. ..
هذا أحسن لأنه جاء بالتتميم, أو لأنه جاء بالتشبيه, أو لأنه جاء بالتقسيم. والحق أن هذه الفنون إن جاء بأحدها الشاعر في بيته أو في قصيدته فإنه لا يتم له الحسن, ولا تتحقق له الجودة حتى يكون ما جاء به موافقاً لنسق النظم من حيث اللفظة المفردة والتراكيب ومن حيث اكتمال المعنى وعمقه. فوظيفة البديع في جميع ألوانه التي درسها البلاغيون إنما تنحصر في خدمة اللفظ والمعنى معاً. وبذلك تتبين الفضيلة, وتحصيل المزية. .. .. .. .. .. .. ..
فلو بنى الشاعر لفظه ومعناه على الاستعارة. مثلا. لمجرد التنقل بالكلام من الحقيقة إلى المجاز, أو لحاجه الشاعر إلى لفظة ما في تقويم وزن البيت واستعمالها يملي الاستعارة إن طوعاً وإن كرهاً. فإن هذا العمل الفني لا تتم له الجودة بمجرد هذا التصرف. .. .. .. .. ..
وإنما وراء هذا العمل خصوصية أخرى هي الابتكار. ومن هنا ليس كل تقسيم, «وليست كل استعارة بديعاً وإنما ذلك وقف على المبتكر المخترع من الاستعارة»( ) وغيرها من فنون البلاغة العربية بديعاً أو معاني أو بيان. .. .. .. .. .. .. ..
قال ابن رشيق: ومما وقعت فيه زيادة أوجبت لصاحبها الفضيلة قول الفرزدق: .. .. ..
كلتا يديه يمين غير مخلفة ....تزجي المنايا وتسقي المجدب المطرا
أخذه ابن المعتز أخذ الحذاق: فقال في علي والعباس رضي الله عنهما: .. .. ..
مثل عباس علي .. ..كيد أخت يد
لا تقل يميني ويسرى .. فهما من أحمد

فزاد هذه الزيادة الصحيحة المليحة. .. .. .. .. .. ..