إذا كانت قواعد الخليل لم تستطيع حسم الخلاف القائم بين العروضيين حتى اليوم حول ما يسمى بالبحور الجديدة , بل ساهمت في ترسيخ هذا الاتجاه , فيجب أن ننظر إليها على أنها قواعد محل شك

والقياس الصحيح على القواعد الفاسدة بالطبع سيؤدي لنتائج فاسدة

****************************************************

لكن أكبر المشكلات التي ساهمت بها دائرة المشتبه هي ترسيخها لمفهوم البحور المركبة :
فإن كانت دائرة المختلف قد أسست لمفهوم البحور المركبة بين التفاعيل السباعية والخماسية , فإن دائرة المشتبه هي من رسخت لفكرة تركيب البحور بشكل مطلق , وذلك بتركيب البحور بين التفاعيل السباعية ؛ ففتحت الباب على مصراعيه أمام بعض العروضيين لتوليد ما يسمى بالبحور الجديدة , باستخدام كل احتمالات التركيب بين التفاعيل , حتى وصلت حد الهوس , فيدعي البعض أن عدد البحور يعد بالمئات وربما الآلاف , ولديهم منطق سليم في القياس على بحور الخليل المستعمل منها والمهمل(1) .

وإليك جانبا من طريقتهم في القياس المنطقي على بحور الخليل

يقولون إذا كان وزن الرجز هو : مستفعلن مستفعلن مستفعلن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المقتضب , والمنسرح , والسريع) هي :
(1) مفعولات مستفعلن مستفعلن ( المقتضب )
(2) مستفعلن مفعولات مستفعلن (المنسرح)
(3) مستفعلن مستفعلن مفعولات (السريع)

فيبدو بوضوح أن استبدال واحدة من تفعيلات البحر الرجز الثلاث بـ مفعولات يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال التفعيلة الأولى يعطينا البحر المقتضب , واستبدال التفعيلة الثانية يعطينا البحر المنسرح , واستبدال التفعيلة الثالثة يعطينا البحر السريع , والبحور الثلاث مستعملة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو قياس وإن كان صحيحا في منطقه , لكنه قياس على قواعد خاطئة ,
فيعطنا نتائج خاطئة , وسيظهر ذلك جليا عندما نكتشف القواعد الصحيحة الحاكمة لموسيقى الشعرالعربي.
ويقولون أيضا : إذا كان وزن البحر الرمل عند الخليل هو :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المجتث , الخفيف , والمتئد) هي :
(1) مستفع لن فـاعـلاتـن فـاعـلاتـن ( المجتث )
(2) فـاعـلاتـن مستفع لن فـاعـلاتـن (الخفيف)
(3) فـاعـلاتـن فـاعـلاتـن مستفع لن (المتئد)

يبدو بوضوح أن استبدال إحدى تفعيلات البحر الرمل الثلاث بـ مستفع لن يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال التفعيلة الأولى يعطينا البحر المجتث , واستبدال التفعيلة الثانية يعطينا البحر الخفيف , واستبدال التفعيلة الثالثة يعطينا البحر المتئد , والبحران المجتث والخفيف مستعملان والمتئد عند الخليل بحر وإن وصفه بالمهمل .

وللمرة الثالثة إذا كان وزن البحر الهزج عند الخليل هو :
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
والأوزان الأصلية المستخرجة من دائرة المشتبه للبحور الثلاث (المطرد , المنسرد , والمضارع) عند الخليل هي :
(1) فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن (المطرد) بحر مهمل
(2) مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن ( المضارع )
(3) مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن (المنسرد) بحر مهمل

للمرة الثالثة يبدو بوضوح أن استبدال إحدي تفعيلات البحر الهزج بـ فاع لاتن يعطينا بحرا جديدا في كل مرة , فاستبدال الأولى يعطينا المطرد , واستبدال الثانية يعطينا المضارع , واستبدال الثالثة يعطينا المنسرد , والمضارع بحر مستعمل عند الخليل , والمطرد والمنسرد عند الخليل بحران لكنهما مهملان .
هذا المنطق البسيط في تحليل أوزان البحور السابقة دفعت عددا من العروضيين إلى الاعتقاد أنه بالإمكان توليد بحور جديدة من البحور القديمة باستبدال تفعيلة من أي بحر قديم بإحدى التفاعيل العشرة ؛ متمسكين بالقياس الصحيح على بحور الخليل ؛

بل وهناك من العروضيين من يعتقد أن بالإمكان تركيب البحور من كل احتمالات التباديل والتوافيق بين التفاعيل العشر , دون التقيد بتفعيلتين مختلفتين فقط , ودون التقيد أيضا بعدد ست تفعيلات في الوزن , فيزيدون العدد لثمان تفعيلات قياسا على البحور ثمانية التفاعيل سواء المركبة كالطويل والبسيط , أو البسيطة كالمتقارب والمتدارك , ولنا أن نتخيل عدد البحور التي تنتج من هذا القياس , وليس من الصعب على أي عروضي شاعر أن ينظم عدة أبيات على كل وزن يراه ممكنا , ليبرهن على صحة ما يزعم .

وانقسم علماء العروض في كل العصور إلى واحد من ثلاث :
أولهم : متعصب لبحور الخليل البسيطة منها والمركبة , لا يقبل
إلا ما جاء منها في دوائر الخليل سواء كانت مستعملة
أو مهملة , دون زيادة عليها أو نقصان منها ؛

وثانيهم : من يقبل على استحياء بعض الأوزان الجديدة ويسميها
المستدركات ؛
وثالثهم : متحرر من دوائر الخليل وبحوره لا يقبل قيدا أو شرطا
في توليد البحور الجديدة .

حتى أن عالما كبيرا مثل السكاكي يقول:

( علم العروض نوع إذا أنت رددته إلى الاختصار احتمله , وإذا
أنت حاولت الإطناب فيه امتد وكاد ألا يقف عند غاية , لقبوله
من التصريف فيه نقصانا وزيادة ما شاء الطبع المستقيم ) .