اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خشان خشان مشاهدة المشاركة
تفضل أستاذي فهذه صفحة لتدرسنا فيها منهجك وكلنا آذان صاغية مكررا رجائي بأن لا تدخل عليه ما يشوش صفحة بيضاء نقسر أنفسنا عليها،
فإن أبيت إلا أن تهاجم الخليل لم نستطع إلا الرد بما لدينا من قناعات ولا نعني شخصه بل منهجه. دعنا أولا نفهم منهجك ثم نرى. ليتك ترقم الدروس
وتجعلها قصيرة ليمكن هضمها . وابدأ بنا من الصفر لتصوغ تفكيرنا كما تشاء ونطيق.

والله يرعاك
الدرس الأول : (المقدمة) :


معجزة العرب هو الشعر , وأكثر ما في الشعر إعجازا هو الإيقاع والذي منه تتولد موسيقى الشعر الأساسية .


الشعر والموسيقى

(الشاعرية - وموسيقى الشعر الأساسية(1)- والإيقاع الموسيقي للشعر)

الشاعرية : هي حالة وجدانية إنسانية , يشترك فيها كل البشر, باختلاف أجناسهم ولغاتهم ؛
هذه الحالة تنتج من تفاعل النفس البشرية وتأثرها بالمؤثرات المتنوعة , سواء المؤثرات الخارجية المحيطة بها , أو المؤثرات الداخلية النفسية ؛

وتختلف درجة الشاعرية من شخص لآخر باختلاف درجة تأثره الوجداني بتلك المؤثرات , وما تعكسه في نفسه من المشاعر البسيطة والمركبة والمعقدة من (الفرح والحزن , اللذة والألم , الحب والكراهية , الأمل واليأس , الرضا والسخط , ........ الخ) , حيث تمتزج بعضها ببعض بدرجات متفاوتة , وتتفاعل معا لتنتج ما يسمى بـ (التجربة الشعرية) .

والشاعر كغيره من الناس , إلا أنه يتميز بقدرته على استخدام اللغة للتعبير عن حالته الوجدانية (التجربة الشعرية ) , ونقلها إلى المتلقي ليعيش طرفا منها .

والكلام هو وعاء وحامل المعاني في كل فنون الأدب المتنوعة , إلا أن الشعر يتميز عن غيره من فنون الأدب الأخرى بما يسمى موسيقى الشعر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1)يختص علم العروض بدراسة الموسيقى الأساسية للشعر

أما محسنات موسيقى الشعر فنوعان :

الأول ندرسه في (علم القافية ) , والثاني ندرسه في (علم البديع) .

********************

فما هي الموسيقى وما علاقتها بالشعر ؟؟

الموسيقى تتألف من النغم والإيقاع :

النغم : هو الأصوات معينة الحدة والتي تتطابق مع درجات السلم الموسيقي ؛(دو .. ري .. مي .. فا .. صو .. لا .. سي ),

والآلات التي تنتج النغم تسمى بالآلات الموسيقية (1), مثل الآلات الوترية كالعود والكمان والقانون , وآلات النفخ كالناي والساكسفون

وتشترك جميع الآلات الموسيقية تقريبا في ثلاثة عناصر رئيسية تحتاجها لتصنع النغم , وهي :(مصدر صوت - مرنان - ومشع) .

(1) مصدر الصوت:(2) يتذبذب في الهواء ليولد ترددا أساسيا , ندركه كطبقة صوت ,

(2)المرنان : (مضخم الصوت) , واحد أو أكثر لتقوية التردد الأساسي بزيادة قوة تذبذبه .

(3) المشع : سطح أو فوهة إشعاعية تنقل الأصوات إلى حيز من الهواء الطلق ، ثم إلى أذن المستمع .

الإنسان يملك آلة موسيقية بيولوجية , بها نفس العناصر الثلاث الأساسية في الآلات الموسيقية :

فمصدر الصوت البشري : هما الحبلان الصوتيان ، أو (الثنايا الصوتية) (1)؛

والمرنان : هو المسلك الهوائي المقوي للصوت الواقع فوق الحنجرة ؛

والمشع : هو فتحتي الفم والأنف .

وينتج الإنسان أصوات النغم مثل الآلات الموسيقية , وربما ينافسها ويتفوق عليها مفردة أو مجتمعة .

*****************

لكن الآلة الموسيقية البشرية لها استخدام آخر وهو إنتاج أصوات اللغة :

فالصوت الذي يحدث من اهتزاز الثنايا الصوتية بالحنجرة ينتقل إلى جهاز النطق(1) , ليتحور و تتشكل منه الأصوات اللغوية , (أصوات الحروف الصامتة و الصائتة الطويلة , والصائتة القصيرة
) , ومن الأصوات اللغوية تتشكل المفردات.

وتستطيع الآلة الموسيقية البشرية إنتاج أصوات النغم بدون أصوات اللغة , وتستطيع إنتاج أصوات اللغة بدون النغم , كما تستطيع تنغيم أصوات اللغة , ولا ينقصها سوى الإيقاع لنسمي الناتج موسيقى ؛

حتى أن البعض يعرف الغناء (أو الطرب ( بأنه : إنتاج الأنغام الموسيقية بصوت الإنسان , بكلمات أو بدون كلمات .

لكن الغالب الأعم من الغناء يكون بكلمات موزونة , وهو ما دعا ابن خلدون ليعرف الغناء بأنه :

(تلحين الأشعار الموزونة , بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة , يوقع كل صوت منها توقيعا عند قطعه فيكون نغمة , ثم تؤلف النُغم إلى بعضها على نسب متعارفة , فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب , وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات ).

****************

عرفنا النغم كأحد عنصري الموسيقى فما هو الإيقاع ؟
وما وجه التشابه بين موسيقى الشعر وموسيقى الآلات ؟

الإيقاع : هو تكرار ظاهرة ما على مسافات زمنية متساوية .
فإذا كانت هذه الظاهرة نقرات على آلات النقر سمي الناتج إيقاعا,

وإذا كانت هذه الظاهرة نغمات صادرة من الآلات الموسيقية سمي الناتج موسيقى ؛

وإذا كانت هذه الظاهرة هي صوت الحركات المصاحب للحروف , والمسافات الزمنية الفاصلة بينها هي زمن نطق الحرف الساكن الخالي من هذه الحركات سمي الناتج وزنا .

فالوزن : هو تتابع أصوات الحركات والسكون مجردا عن الحروف , والوزن في الشعر يماثل الإيقاع في الموسيقى (1) .

وأما موسيقى الشعر : فهي مجموع النغم والإيقاع معا (النغم المتمثل في أصوات اللغة , والإيقاع المتمثل في الوزن) .

أما الشعر: فهو الكلام الموزون المعبر عن حالة وجدانية ( التجربة الشعرية) (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في علم العروض نعبر عن الوزن المجرد بتتابع من رمزي الحركة / والسكون o , لكن الحركات لا يمكن النطق بها إلا وهي مصاحبة للحروف , والسكون لا يدرك إلا بحرف خال من الحركة , لذلك تم وضع التفاعيل ككلمات مجردة من المعنى لقراءة الإيقاع الشعري (الوزن) , كما يضع أهل الموسيقى (دم ... تك ) للتعبير عن الإيقاع الموسيقي .

(2) هذا هو الحد الأدنى في لغة الشعر , أما سحر المعاني , وإحكام الصياغة اللغوية , فهو تفاوت في درجات الشاعرية من شاعر لآخر , وتفاوت في امتلاك الشاعر لناصية اللغة التي يستطيع التعبير بها عن شاعريته .
فإن كان الكلام الموزون لا يعبر عن حالة وجدانية سمي الناتج نظما كألفية بن مالك في النحو والصرف وغيرها من المتون العلمية المنظومة .


**************

بين الموسيقار والشاعر فرق جوهري , كما أن هناك تشابها وتكاملا بينهما :

فالفرق الجوهري: أن الموسيقار يقوم عمله على تأليف الموسيقى وابتكارها ؛ أما الشاعر فعمله الأساسي هو التعبير اللفظي الموزون عن التجربة الشعرية , والشاعر يستخدم في الغالب (1) قوالب موسيقية أساسية جاهزة معروفة , وهي ما نسميها بالبحور الشعرية (الأوزان الأصلية للبحور والأوزان التابعة لها) , وإنما يكون ابتكاره في المعاني والصياغة والموسيقى الداخلية للنص .

والتشابه والتكامل بينهما أن الموسيقار عندما يؤلف مقطوعة , يدونها في النوتة الموسيقية برموز متعارف عليها , ليأتي عازف ماهر على آلته ليظهر الموسيقى المتضمنة في الرموز .

والشاعر بالمثل عندما يكتب القصيدة , فبالرغم من أن كلماتها تبدوا عادية للبصر كباقي الكلمات , إلا أنها في الحقيقة تتضمن التجربة الشعرية بمعانيها , كما تحتوي على الإيقاع والموسيقى , ولا تحتاج إلا لآلة موسيقية بشرية لتظهر هذه الموسيقى (2) .

وتظهر قمة تجليات موسيقى الشعر عندما تلهم القصيدة موسيقارا كبيرا , ليضع لها لحنا متميزا , فيغنيها مطرب موهوب محترف , بمصاحبة أوركسترا من أمهر العازفين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) قلنا في الغالب لأن كل وزن من الأوزان قد ابتكره شاعر ما في زمن ما ؛ وطوره مجموعة من الشعراء عبر الأزمنة المختلفة .

(2) وهو ما يتجلى في أداء القصيدة سواء بالإنشاد (فن الإلقاء ) , أو بنوع من أنواع الغناء ؛ والإنشاد ربما هو الحد الأدنى المقبول في قراءة الشعر, وهو أقلها في إظهار موسيقاه .


***************


مما قدمناه يمكن استخلاص الآتي :

عندما نستخدم مصطلح (الإيقاع الموسيقى) أو (الإيقاع الشعري) كمرادف للوزن , فإننا نقصد التتابع المنتظم والمتكرر - على نسق معين - من الحركات والسكون مجردة من الأصوات .

وأما مصطلح (النغم) فنقصد به أصوات الحروف المتحركة والساكنة المقابلة لحركات وسكون أجزاء الوزن ,




وإلى لقاء في الدرس الثاني وعنوانه : (حروف الإيقاع _ الكلمات الإيقاعية _ الجمل الإيقاعية _ العبارات الإيقاعية)

دمت أساتذتي الكرام في خير وسعادة