The bloody mango
المانجا الدموية
مَرَرْتُ بِسُوقِ الخُضَارِ في طريقِ عودَتِي مِنَ المدرسةِ. كنتُ أحملُ في جيبِي مصروفي الذي لمْ أصرفْهُ في الفسحةِ, والذي خطَّطتُ أنْ أشتري بهِ شيئاً أحبُهُ, وبِالحبَّةِ ليس بالكيلو كمَا اعتادَ أهلي.
عندَمَا اقتربْتُ منَ السُّوقِ فاحَتْ الرائحَةُ التي أشتَهِي.
كانتْ لدى البائعِ عدَّةُ أصنافٍ منَ الفاكهةِ, ولكنَّني لمْ أَشمَّ سواها" المانجا".
رأيتُهَا. كَانَ شَكْلُها الشَّهِي يَدعُونِي, وكنتُ جائعةً مِمَّا جَعَلَ اشتِياقِي لَهَا يزيدُ, ورِيقي يَسيلُ, وبِطانَةَ مَعِدَتِي يَفرُكُ بعضُها بَعضاً.
وقفْتُ قِبالَتَهَا للحظاتٍ أرمُقُهَا بحُبٍّ, قبل أنْ يسألَنِي البائعُ إِنْ كانَ يستطيعُ أنْ يَخدِمَني. أخرجْتُ مصروفِي مِنْ جَيبِي وَوَضعتُهُ في كَفِّهِ وأَنا أَبتَسِمُ, وقلتُ بثقةٍ :
أُريدُ حبَّةَ مانجا ..
سأَلَني بتعجُّبٍ : حبةً واحدةً ؟!
فهَزَزتُ رأسِي مُوافقةً.
قَلَّبَ النقودَ في كَفِّهِ, ولمَّا رأى بِأَنَّها تَفوقُ الثَّمَنَ قالَ لِي : اختَرِي واحدةً كبيرةً.
لمْ أُضَيِّعِ الكثيرَ منَ الوَقتِ في الاختِيارِ, فقدْ وقعَ بَصَري عَلى حبةٍ كبيرةٍ على سطحِ السَّحَّارةِ, ولمْ أكنْ لأرضَى عنها بَديلاً.
عَرَضَ عليَّ البائعُ كيساً, ولكنَّني رفضتُ بِلباقةٍ, وطَلبتُ منهُ استخدامَ سكِّينِهِ لأَشقَّهَا, فقد نويتُ الاستمتاعَ بِأكلِهَا في الطريقِ.
أعطانِي السِّكِّينَ, وبينما كنتُ أشقُّ الحَبَّةَ أتاني صوتُ زبونٍ يقولُ : آه مانجا رائعةٌ, ورخيصةُ الثمنِ!
التفَتَ إِليه صديقُهُ وقالَ باعتراضٍ : هذه مانجا اسرائيليَّةٌ !!
ارتعشَتْ يدي لَدَى سماعِي الكلمة, فشقَّتْ السِّكِّينُ كفي اليُسرَى, واختلطَ الدَّمُ الحارُّ بِعُصَارَةِ المانجا الطَّازِجَةِ.
نظرتُ الى المانجا برعبٍ. رميتُهَا مِن يَدي وأَنَا أَصرُخُ : دَم.. دَم
التَفَتَ الرِّجالُ الثَّلاثَةُ إِليَّ, وهبَّ البَائِعُ لِنَجدَتِي.
قالَ بتخوُّفٍ : ما بكِ يا بُنَيَّتِي ؟
قلتُ بانفِعالٍ لمْ أستَطِعْ كبتَهُ : دَم, المانجا مليئةٌ بالدَّم!
أمسَكَ بيدِي المَجرُوحَةِ وقالَ : جَرَحْتِ نفسَكِ يا صغيرَتِي!
فقلتُ له والدُّموعُ تغسلُ وجهِي: لا انَّهُ ليسَ دَمِي,إِنَّهُ دمُ مُحَمَّدٍ الدُّرَّة.
حنين حمودة
سألني صديق: ماذا لو كانت حبة برتقال؟
صمّدتُ* مصروفي بجيــبي ما شريتُ ببارةِ
وشممتُ في شوقٍ ورِجـْــلي حيث فوحٍ سارتِ
خبَّتْ بعزمٍ قصدُها سوق الخضار بحارتي
ودخلت.. فاكهة الجنا ن تفنّنتْ لإثارتي
والريق جفَّ ومعدتي بالفرك أبلتْ جارتِ
فوضعت مالي ما ملكــــــتُ بكفّه بجسارة
قال: امريني كل ما تبغين رهن إشارةِ
عيني استقرتْ نحوها فهي المنى ما حارتِ
وأشرتُ في لهفٍ لها صالتْ على السّحّارةِ
وسألتُه سكينه لأشقها بشطارتي
ولأسكت الأمواج في بطني تمادتْ ثارتِ
وهممت "بسم الله" ها مَ حديثها الختيارةِ
قال الغلام: رخيصةٌ ما مثلها بنضارةِ!
هذي الخضار من العدا: قالت له بمرارةِ
صوت الحديث اجتاحني والعقل طار ودارتِ
كم كان حدّثني أبي كم بثّ فيّ.. منارتي!
فعشقت أرضًا في دما ي قد استوتْ* لإمارة
ونشقت من فوح التّذكّر عزّة ما خارتِ
واليوم نشق التعس والإذلال شقّ مرارتي
وتضمّخ القاني يسيـــل وفي عروقِيَ فارتِ
فصرخت رعبًا من دما ءٍ في يدي قد صارتِ
آهٍ، جرحت اميرتي: صوتٌ أتى كالغارةِ
فأجبته ملتاعةً مفجوعةً لكسارةِ
: أَوَ برتقالك* تشتري من سارق البيّارة؟!
يا عمّ ما هذا دمي هذي دماء الدارةِ
• صمدت مالي: كلمة يستخدمها طلاب المدارس على انهم لم يصرفوا المال
• البارة عملة عثمانية ضئيلة كالفلس
• المصروف: هو الخرجيّة التي يعطيها الأهل للطفل عادة
• استوت: استوت على العرش
• برتقالك هو لك من بيارة جدك وانت تشتريه من السارق
• الدارة تأنيث الدار
المفضلات