أخي الحبيب سامر سكيك
لأني أحبك وأحترمك وأقدر موهبتك قررت أن أصارحك فاحتمل ما في صراحتي من قسوة
الشعر موهبة وقد وفق الله الخليل بن أحمد في كشف مواصفات هذه الموهبة من حيث الشكل (الوزن)، ثم جاء الرقمي ليكتشف ضوابط رياضية تصف الذي تقبله الذائقة العربية من الأوزان التي اتخذ الخليل تفاعيله وسيلة لشرحها.
تفاعيل الخليل مأطورة بالجزء الذي وجد عليه شعرا للعرب مما انتظمه تفكيره ومنطقه، وطبيعي والحالة هذه أن يكون تفكيره أوسع من تفاعيله. ومن الخصائص العامة لتفكير الخليل التي تنطبق على سائر بحور الشعر ( إيقاع الخبب ليس مشمولا) هما
1- لا يتجاور وتدان أصيلان
2- لا يتجاور أكثر من ثلاثة أسباب.
فنحكم بناء على بأن الوزن :
مستفعلن مفاعيلن مستفعلن .............مستفعلن مفاعيلن مستفعلن
4
3 3 4 4 3 ................................4 3 3 4 4 3
ليس شعرا. وإن جاء مضمونه ساميا كالقول:
الله ربّ كل الخير المنتشرْ.....فارحم إلهنا ما جئنا أونزرْ
3- لا تتوالى فيه أربعة متحركات إلا ما شذ من (311 =متَعِلن)
وأنت هنا جمعت أسبابا أربعة فكان هذا الكلام.
وهنا تمييز بين وزنين
على الوجدانِ ويرسُمُ = 3
2 2 1 3 3
مفاعيلن مفاعلتن وهو في غاية الثقل
لِترْهِبَ من لا يَرْحَمُ =
3 1 3 4 3
فعولُ مفاعيلن فعو
( لُ مفاعيلن ) وليس مفاعلتن مستفعلن
وهو أقل ثقلا لأنه يمت إلى الطويل بصلة
وزن الشعر تتحكم فيه الذائقة الفطرية السليمة ومن لم يمتلكها فعلم العروض. والشأن في ذلك كحركات الكلمات، كان العرب يحركون الكلمات حسب فطرتهم السليمة، ثم لما خرجوا من جزيرتهم واختلطوا بغيرهم وتعلم العربيةَ من المسلمين من ليسوا عربا لم تعد الفطرة صافية، وصار من شأن الاعتماد عليها وحدها أن يقبل الذوق الفاسد من الكلام، فكان علم النحو، ولكن العرب في جزيرتهم – الأعراب خاصة – ظلوا ينطقون الكلام سليما دون تعلم النحو إلى زمن امتد بعد زمن كتابة النحو.
والأمر ذاته ينطبق على الشعر، ولا زال كثير من شعراء النبط في البادية خصوصا - على جهلهم بالعروض - يكتبون شعرا سليما لسلامة فطرتهم من ناحية الإيقاع والوزن، ولكن أهل الحواضر ممن تأثر ذوقهم بتعقيدات الحاضرة لا يملك الكثير منهم هذا الصفاء في الفطرة، شأنهم في ذلك شأن المولدين من الشعراء الذين بقي ذوقهم متأثرا بسابق لغاتهم، وهذا ليس بدعا، فها هي نازك الملائكة تقول إن ذوقها تأثر بالشعر الإنجليزي والفرنسي.
من حق شاعريتك عليك وأنت تحاول إيجاد أوزان جديدة أن تتقن علم العروض لا أعني أبجديات شكله التي تمكنك من تشكيل جزئين متكافئي الوزن بل أن تقف فيه على روحه – إن جاز التعبير - لتعرف ما يجوز وما لا يجوز، وفي هذا المقام أحيلك على كتاب الدكتور أحمد مستجير، "مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي":
http://www.arood.com/vb/showthread.php?threadid=57
وإلى كتاب الأستاذ علي حسن العبادي " ما هكذا يكتب الشعر"
http://www.arood.com/vb/showthread.php?threadid=675
أرجوك أن تردد بضع مرات كلا من هذين النصين:
صدى ذكراك يبتسمُ ......على الوجدان يرتسم
ثم
صدى ذكراكَ يُنَسِّـمُ.....على الوجدانِ ويرسُمُ
ثم لاحظ راحة جهاز النطق لديك في الأول وألم حنكك في ترديدك للثاني، ويلحق أذني من سماعه فوق ذلك من الألم.
هذا الذي تفضلت به من حيث الوزن أو الإيقاع أو الوقع – على سمو مضمونه - قد يكون ( لا شعرَ عربيا) أو ( شعرا لا عربيا) ولكنه ليس شعرا عربيا على الإطلاق، وليس نثرا أو سجعا عربيا سويا يقبله من لديه حد أدنى من اعتياد الشعر والنثر العربيين .
يضللك من يصفه بغير لك.
إن ترشيد موهبتك بدراسة العروض والرقمي منه خاصة كفيل بأن يقود خطاك على ضروب إبداع حقيقي تتجاوز مجرد وضع جزئين من الكلام على هيئة شطرين متعادلي الوزن ثم دعوة ذلك شعرا.
إن العروض الرقمي يكشف أن الذائقة العربية أو قل الأذن العربية في تذوقها مصممة وفق قوانين رياضية صارمة. وأنت كمهندس مدعو إلى متابعة المشوار في كشف وبلوغ درجة أعلى من الدقة منها.
قال أبو العلاء المعري عن بيت المتنبي:
ربّ نجيعٍ بسيف الدولة انسفكا ..........ورب قافية غاظت به ملكا
" ولم يزاحف أبو الطيب زحافا تنكره الغريزة إلا في هذا الموضع [ يقصد ربّ نجيعٍ ] ولا ريب أنه قاله على البديه، ولو أن لي حكما في البيت لجعلت أوله ( كم من نجيعٍ ) لأن ربّ تدلّ على القلّة ..."
هاهو المعري ينتقد (( بديهَ التمنبي )) رغم أنه لم يخالف المسموح من قواعد العروض، ورغم ورود لك كثيرا في الشعر. ولكن لأبي الطيب مكانا في نفس أبي العلاء يرفعه عن حضيض المسموح إلى ذرى ما يليق به. ولك عندي مثل ذلك.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ولمادحي وزن هذا الكلام
وإن خيرت بين هذا وكلام أخي محمدب فأنا معه بلا تردد.
المفضلات