خامساً: إصلاح النظام العروضي … في ضوء النظام الصوتي العام
لقد اعتمد الخليل بن أحمد الفراهيدي, في تكوين تفعيلات بحور الشعر, ستة أجزاء إيقاعية تتمّثل في كلمات الجملة التالية:
لَمْ _ اَرَ _ عَلَى _ ظَهْرِ _ جَبَلٍ _ سَمَكَةً
وقد أدى ذلك إلى ظهور بعض التفاعيل بشكلٍ يتعارض و أحكام النظام الصوتي العام، نظام الأنساق. وقد عمدنا إلى تصحيح تلك التفاعيل، بجعلها كسائر تفاعيل البحور مؤلفة من الأنساق الثلاثة التالية:
(لُنْ _ عِلُنْ _ فَعِلُنْ) أو (فَا _ مَفَا _ مُتَفَا )
• وكانت النتيجة الطيّبة أن أمكن تصنيف بحور الشعر الستة عشر في زمرتين إيقاعيتين اثنتين
1. زمرة ( فاعلن ) وفي مقدمتها البحر البسيط, كمثال:
فَا (فَاعِلُنْ ) ( فَاعِلُنْ ) فَا(فَا عِلُنْ ) ( فَاعِلُنْ )
مُسْ (تَفْعِلُنْ) (فَاعِلُنُ) مُسْ (تَفْعِلُنْ) (فَاعِلُنْ)
إذ تبدو كل تفعيلة من هذه التفعيلات مشتملة على الأساس الإيقاعي
(فاعلن)، إما منفرداً، أو مسبوقاً بالنسق الأحادي (أي بذي المتحرك الواحد) :
(فَا).
2. زمرة (فعولن ) وفي مقدمتها البحر الطويل, كمثال:
(فَعُولُنْ) (فَعُولُنْ)لُنْ (فَعُولُنْ) (فَعُولُنْ)لُنْ
(فَعُولُنْ) (مَفَاعِي) لُنْ (فَعُولُنْ) (مَفَاعِي) لُنْ
وفي هذه الزمرة تحتوي كل تفعيلة على الأساس الإيقاعي (فَعُولًنْ )، إما منفرداً، أو مَتْلوّاً بالنسق الأحادي (لُنْ).
• كذلك أمكن اكتشاف الرابطة الإيقاعية بين البحرين البسيط و الطويل، إذ تبين أن كلاً منهما يتولّد من الآخر، بمجرد عكس ترتيب الأنساق التي يتألف منها.
فالأنساق التي يتألف منها البسيط هي:
فَا _ فَا _ عِلُن _ فَا _ عِلُنْ _ فَا _ فَا _ عِلُنْ _ فَا _ عِلُنْ
فإذا عكسنا ترتيبها أصبحت كما يلي:
عِلُنْ _ فَا _ عِلُن _ فَا _ فَا _ عِلُنْ _ فَا _ عِلُنْ _ فَا _ فَا
وهذه تعادل, من حيث الإيقاع, الأنساق التالية:
فَعُو _ لُنْ _ فَعُو _ لُنْ _ لُنْ _ فَعُو _ لُنْ _ فَعُو _ لُنْ _ لُنْ.
وبتأليف التفاعيل من هذه الأنساق, نحصل على البحر الطويل, وذلك بعكس ترتيب الأنساق التي يتألّف منها البسيط:
(فَعُولُنْ) _ (فَعُولُنْ) لُنْ _ (فَعُولُنْ) _ (فَعُولُنْ) لُنْ.
• وأمكن, أيضاً, بتصحيح التفاعيل غير النَسَقّية, اختصار عدد المصطلحات المستعملة في تسمية التغييرات العروضيّة المسموح بها, والمسماة (الزِّحاف والعِلَل), من (خمسةٍ وثلاثين) ملتبسٍ بعضها ببعض, إلى (سبعةٍ) متمايزة وواضحة.
• هذا علاوة على ظهور إمكانات إحداث بحورٍ جديدة, وذلك بالاستعانة بالحاسب الإلكتروني, وباستعمال الأنساق الثلاثة: (الأحاديّ لُنْ _ والثنائيّ عِلُنْ _ والثلاثيّ فَعِلُن), مرّتبةً على مختلف أوجه الترتيب.
يتبيّن مما ذُكر أن إصلاح النظام العروضيّ, في ضوء نظام الأنساق, قد أدّى إلى تبسيط العروض وتحديثه؛ وإلى اختصار مصطلحاته, وتسهيل تعلّمه وتعليمه؛ وأدّى كذلك إلى إغنائه بفسح المجال لاستنباط بحور جديدة مُمَوْسقه.
ويمكن الرجوع إلى بحث النظام العروضيّ في الصفحات / 255 – 276 / من كتاب حقيقة الإعلال والإعراب.
* * *
الموضوع أعلاه منشور على الرابط :
http://www.greatarabic.info/?p=8
في معرض تطوير لطرق تقديم بعض علوم العربية ومنها العروض وقد ورد في آخرالصفحة.
ما ذكره الكاتب الكريم موضع تقدير. سنعرض هنا لتمرين بسيط لنرى في آخره العلاقة بين ما تفضل به الكاتب الكريم والرقمي.
كان بإمكاني وضع النتيجة سلفا ولكني وددت أن يشارك القارئ ببذل بعض الجهد لتثبيت الحاصل في ذهنه. والمطلوب من المشارك الكريم نسخ الجزء الملون على صفحة وورد ثم إجراء الاستبدالات التالية على التوالي مع إجراء الاستبدالات التالية replace مستعملا هذه الخاصية من قائمة تحرير edit في الجزء الملون من النص بالترتيب مع مراعاة الفراغات وإظهار الحركات حيث توجد:
ضع 2 3 مكان فاعلن
ضع 3 2 مكان فعولن
ضع 3 2 مكان مفاعي
ضع 3 2 مكان تفعلن
ضع 2 مكان فا
ضع 2 مكان مُسْ
ضع 2 مكان لُنْ ( ضمة على اللام )
ضع 3 مكان فَعُو ( فتحة على الفاء )
إستبدل بالأرقام أي رمز عروضي ورد بالأحرف ولم يجر استبداله
أعد قراءة المقال على ضوء ما آلت إليه الصورة بعد استعمال الأرقام.
ماذا تجد ؟
هل تجد أحيانا أنه يتم استبدال الماء في وجهة نظر بالماء في وجهة نظر أخرى؟
أنت يا من تعرف وتستعمل الرقمي مجردا من ملابسات المصطلحات تحررت من حدود التفاعيل ومصطلحاتها ولهذا ترى ما يدور من كلام في بعض مواضيع العروض أو حوار بين وجهتي نظر بدلالة التفاعيل وحدودها بعد ترجمته للرقمي كلاما يكرر نفسه ولا ترى فارقا في بعض الأحيان بين وجهات نظر تبدو مختلفة. ذلك أنها ليست مختلفة الجوهر إنما الاختلاف في ملابسات المصطلحات وتجسيد الحدود وما ينتج عنها من تجزيء. فإذا ما قمت بتحرير الجوهر من وهم ما تفرضه المصطلحات من حدود فقد الاختلاف ماهيته.
يفترض في المصطلحات والحدود والتجسيد والتجزيء أن تكون مجرد أدوات ووسائل إيضاح لا تحجب الجوهر، ولكن للأسف ما نتج هو غير ذلك إذ – في ظل إغفال فكر الجوهر – تحولت هذه جميعا إلى نهج امتد إلى التفكير فصاغه في العروض على مقاسه. ومما يلاحظ أن هذا الأمر لا يقتصر على العروض بل هو عام في كثير من الأمور التي هي أهم منه وأبعد أثرا في الحياة.
من هنا يبدو الرقمي وكأنه رسالة فكرية وإن تعاملت مع العروض فإنه يؤمل أن يمتد أثرها إلى سواه.
المفضلات