الباحث: الاستاذ عبد الله الطنطاوي
كلمة رئيس الجلسة: الاستاذ علي البتيري
في طريق لا خوف على امة تقرأ ما خط القلم، انما الخوف من الجهل على امة تجهل ما تدري الامم.
انطلاقا من هذين البيتين لا اريد ان اذهب الى عنصر من عناصر التطمين، انما اريد ان القي ومضة من التفاؤل رغم سوداوية الوضع الذي نعانيه.
تساءلت حول عنوان الورقة التي سيقدمها أ. عبد الله الطنطاوي بالسؤال التالي:
اذا كانت اللغة اداة من ادوات الثقافة وهي الاداة الاساس وهي الام الحاضنة للثقافة، واللغة العربية هي الوعاء الجميل الذي يحتوي ثقافتنا العربية، فماذا نحن فاعلون اذا اعترى هذا الوعاء الجميل الكثير من الغبار والصدأ؟
ما موقفنا ونحن الهجمة تلو الهجمة على لغتنا العربية؟ حيث ان لغتنا في مقدمة الحركة الحضارية لهذه الامة، ولغتنا مستهدفة اولا قبل كل شيء بهجمات متتالية شهدها القرن العشرون ويشهدها القرن الحادي والعشرون، هجمات من الداخل مشبوهة ومريبة، تارة باسم العامية، وتارة باسم التعاون مع اللغة اللاتينية وتارة بنوازع اقليمية.
يوسف الخال الذي اصدر مجلة شعر، وهو يتبنى التجديد والحداثة يتوقف عند العدد، فيقرر اغلاق المجلة، ويقول: ها نحن جميعا نسقط امام جدار اللغة، بينما عندما نصح الناصحون ابا العلاء المعري بالذهاب الى بغداد حتى لا يبقى حبيس المعرة، يصل الى بغداد ويقال له بأن هناك مأتم او بيت عزاء لاحد الاشخاص، وهذه فرصتك، فيدخل الى المأتم وهو يتخطى اكتاف الجالسين، ونظرا لانه ضرير تصطدم قدمه بأحد الجالسين فيستشيط غضبا ويقول لابي العلاء: ما هذا يا كلب، فأجابه بهدوء: الكلب فينا يا صاحبي من لا يعرف للكلب ستين اسما في اللغة العربية.
من يستطيع ان يرد عن نفسه كما ردّ ابو العلاء المعري؟
فلغتنا كالبحر كما قال حافظ ابراهيم:
أنا البحر في احشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فلا يجوز لنا ان نتمرغ على شاطئ اللغة، ثم نتهمها بالعجز، وبعدم استيعاب لغة الاصل.
يسرني ان اقدم الرفيق الاستاذ عبد الله الطنطاوي في ورقته والتي هي بعنوان (اللغة كأداة من ادوات الثقافة)
تعريف بالمؤلف:
د. عبد الله متبحر في اللغة العربية، يمتلك غيرة طيبة على لغتنا العربية، وهو رئيس رابطة ادباء الشام، من مواليد حلب (1937) وهو عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية، خريج كلية الاداب، جامعة دمشق تخصص لغة عربية سنة (1964) يحمل دبلوما في الدراسات العليا من جامعة القديس يوسف، كاتب معروف وكتب المقالات الصحفية والنقدية والادبية.
مؤلفاته:
- له حوالي سبعين كتابا في القصة والرواية والمسرحية والنقد الادبي والتراجم
- اصدر للاطفال (38) كتابا بين رواية وترجمة.
- يؤلف على مشروع من (100) كتاب بعنوان (من نجوم الاسلام) طبع منها حتى الان ستة وعشرون كتابا.
- ترأس تحرير ثلاث مجلات للاطفال وهي (مجلة التراث، والرواد، والسلام)
الاعمال التلفزيونية
- له ثلاثة مسلسلات تلفزيونية في تسعين حلقة، وله عدد كبير من البرامج الاذاعية
- يكتب في الكثير من الصحف العربية
- له خمس مسرحيات على مسارح حلب، وهو مدير موقعين على الانترنت (مجلة الفاتح للفتيان، وموقع لرابطة ادباء الشام) فليتفضل مشكورا
الحوار والردود
كلمة رئيس الجلسة:
اريد- ختاما- ان الخص ما ذهب به الاستاذ عبد الله:
ذهب بنا الى نبع اللغة القديم الا وهو القران الكريم، واكد على حقيقة هامة وهي ان اللغة العربية هي لغة الاسلام وان الخروج بها من اطار الاسلام هو تغريب لها، وربما هذا الخروج هو الذي اوقعنا في اشكاليات.
في هذا العصر، تهب علينا رياح ثقافية متعددة الجنسيات، مما يحتم علينا بذل جهد مضاعف لحماية اللغة، فإذا لم يبادر المثقفون على الدفاع عن هذه اللغة، فمن يحميها؟
الحوار والمناقشة..
أ. ابراهيم العجلوني
- اتمنى ابتداء على الباحث الكريم لو انه عدّل في عنوان المحاضرة فجعلها على هذا النحو (اللغة العربية اداة للثقافة)
- نحن امام لغة دقيقة، واسعة مرسلة موزونة، حرة موضونة، ولذلك هي لغة يصعب ضبطها، واوسع من ان تقنن، حتى علم النحو لم يستطيع ان يضبط هذه اللغة الحرة الواسعة ذات الافاق، فصار لدينا مدرستان في النحو (مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة).
واود ايضا ان اتحدث حول المدخل الذي دخل به المحاضر، ففي الحقيقة ان ابا العلاء المعري دخل مجلس الشريف المرتضى في بغداد، وكان الشريف يهجو المتنبي، فقال ابو العلاء:
لو لم يكن للمتنبي الا قوله لك:
يا منازل في القلوب منازل
اقفرت انت وهن منك اوائل
لكفاه ذلك فخرا، فعرف الشريف المرتضى ان ابا العلاء يهجوه لان في هذه القصيدة بيتا اخر يقول:
واذا اتتك خدمتي من ناقص
فهي الشهادة بما اني كامل
فأمر باخراج هذا الكلب بهذا الوصف من المجلس، فقال: الكلب من لا يعرف ان للكلب سبعين اسما
ونحن امام قضية خطيرة جدا، ومسألة السقوط امام جدار اللغة التي اوردها الاستاذ عبد الله عن يوسف الخال هي السقوط امام الثقافة، وهذه الثقافة يبدو انها متجذرة في قلوب الناس، فيصعب ان تتنحى هكذا من اجل مجلة تتعامل مع المخابرات الامريكية مثلا.
وكذلك »ادونيس« حين دعا الى تفجير اللغة، وجعلها بعدية اي ان كل اللغات تحتكم الى نظام دلالي قائم متفجر في دلالته، وهذا لعب على الذقون، ولا اعرف كيف اصبح له انصار.
ما يتعلق بـ (العربية لغة المستقبل) وهي حقيقة هكذا لا لانها لغة اهل الجنة فحسب، ولكن لانها اللغة الانسانية الوحيدة، الكفيلة بالترجمة عن الوعي والوجدان الانسانيين في الحياة الدنيا هذه، وعلى مدار التاريخ الانساني -اي في التاريخ-
وهناك دلائل على ان هذه اللغة ستكون لغة المستقبل، فمثلا الشيخ حمزة الذي اسلم، وهو بريطاني يحفظ القران والاحاديث.. ويعتقد ان المفاهيم والافكار الموجودة في هذه اللغة العربية كفيلة بأن تقدم للانسان عناصر الحضارة كاملة.
اذن فلا بد من اخذ هذا الامر بعين الاعتبار، وان يكون مدخلا الى فكرة رئيسة وهي (ضرورة امتلاك العصر بلسان عربي مبين) اي ان نمتلك علومه ومعارفه وان نحقق الشهود الحضاري على ذلك كله في هذا العصر.
والنقطة الثانية: وجدنا ان الباحث الكريم قد عنى نفسه بالتدليل على قدرة العربية على وصف الاشياء والمخترعات والمستجدات، ولكن عبقرية العربية في الحقيقة، هي في المعاني والافكار. العرب هم ارباب المعاني، وحين نأتي مثلا الى شاعر في الجاهلية يقول:
خبر ما مصمئل
وهذه لغة انضجتها القرون وبلغت عبقريتها
في التجريد فهذا كلام لا يأتي من امة لها حضارة لقرنين او ثلاثة قرون فقط بل من امة موغلة في التاريخ والحضارة.
واخيرا اشير الى اثراء المفاهيم والافكار عند شخصين مهمين وهما: القاضي عبد الجبار في كتابه المغني في ابواب العدل والتوحيد، وفي كتابه المحيط في التفسير، ثم ابو حيّان التوحيدي لذلك) ويجب ان نقارن ما بين ما نحن فيه من الفقر المدقع في المفاهيم والافكار في هذا الزمان.
لم اشارة الى العرب والبربر في المغرب، ففي الحقيقة حين انهي عبد الحميد بن باجس دروسه في تعليم القران وتفسيره، انهى تفسير المعوذتين في تلمسان عذاب الجزائر، واحتفل به اهل تلمسان العرب، وكان تلميذه الذي قدمه محمد بشير الابراهيمي، فهذه قضية البربرية والامازيعنة، فهو وهم واهم، وهي مؤامرة فعلا، وينبغي ان نقر بها، وان لا نغض الطرف عنها.
أ. علي عتيقة
في الحقيقة اريد ان اتكلم من منطلق الغيرة على اللغة العربية، ولدي اشكالية وسؤال الاشكالية هي: هذا الانفصام الذي ينمو مع الزمن بين رسوخ اللغة العربية في الوجدان العربي وفي الثقافة العربية في الدين الاسلامي، وبين ما نشاهده في الحياة العملية، امثلة:
- لو خرجنا الى اي مدينة من المدن العربية من المشرق الى المغرب لوجدنا اغلب القطاعات الخاصة تعتمد على اللغة الانجليزية بحيث اصبح من لا يتقن الانجيلزية لا يجد مكانا له في هذا القطاع.
- المؤتمرات التي تعقد في الدول العربية وبحضور عربي وباللغة الانجليزية حتى على مستويات بسيطة غير معقدة.
- على المستوى الرسمي: الوفود العربية لا تتكلم اللغة العربية في الكثير من المحافل الدولية.
- في الواقع الدولي: قال لي استاذ اللغة العربية بجامعة »شنغهاي« الاستاذ عبد الجبار: بأنهم يعانون من مشكلة كبيرة فيما يخص اللغة العربية فكنا نتصور ان كل دبلوماسي نرسله الى العالم العربي ينبغي ان يعرف اللغة العربية واذ بهم يقولون لنا بأن هذه اللغة العربية لم تعد تفيدنا لاننا نخجل من ان نقول للامريكي او الفرنسي بأننا نتكلم العربية، ومنهم دبلوماسي نمساوي قال: لغتي العربية تدهورت عندما عملت في العالم العربي لانهم لا يكلمونني بلغتهم، وانا اخجل ان ارد عليهم باللغة العربية عندما يتكلمون معي بالانجليزية، فكيف نفهم هذا الانفصام بين ما تفضلت به وبين ما يجري في الحياة العملية؟ واخشى- كما قال عبد الجبار- ان تنحصر اللغة العربية في المساجد وتلاوة القران والتراث الديني مثلما انحصرت اللغة اللاتينية.
اما السؤال: فهو، لماذا عندما وضعوا ابجدية اللغة العربية اكتفوا بسبعة عشر مشكلا واكملوا البقية في النقط، وهي تخلق مشاكل كبيرة في التصحيح، فيكفي ان تسقط نقطة فيصبح (العرب، الغرب) والعكس.. وغير ذلك، فلماذا لم يكملوا الشكل الى (28) شكلا بحيث نميز الكلمات بالشكل لا بالنقط؟ الغريب ان بعض المثقفين يعتبرون ذلك من عبقرية اللغة، وانا اعلم بأن احد الجامعات اضطرت لاعدام مئات النسخ من الكتب بحيث جاءت نقطة في غير محلها وتكررت، ولم يكن ممكن تصليحها، وشكرا.
د. عصام
عند حديث الاستاذ عبد الله عن اللغة العربية، كان يتحدث بلغة الماضي، كان العرب؟ وكانت اللغة العربية، نحن نتساءل عن هذا القصور والكسل والتراخي الذي اصاب الامة العربية؟
لماذا نفتقر الى معجم تاريخي لالفاظ اللغة العربية وتطورها؟
نجد ان الصلة منقطعة بين مجامع اللغة العربية والجامعات؟
لا نفكر بايجاد لغة عربية وسطية يمكن استغلالها في مختلف المعارف والعلوم؟
ولا نكتفي فقط بالتغني بالماضي، وانما نجهد في خدمة هذه اللغة الشريفة.
لماذا نجد ان اعدائنا يجمعون الشعر العربي من العصر الجاهلي الى فترة قريبة وربما العصر الحديث ويستفيدون منها، ونحن نعجز في كل جامعاتنا وفي كل دولنا العربية ان نجمع الشعر العربي، والعرب كانوا يفاخرون بأن الشعر هو ديوان العرب؟ وشكرا.
احد الحضور:
اعترف بأني لست ضليعا باللغة العربية كمحاضرنا الكريم، ولكن ليسمح لي ان ادعي بأنني لست اقل حرصا منه عليها، يجب ان نعترف بأن اللغة والثقافة حقا لا تتطوران ولا تبقيان اساسا الا ببقاء وتتطور اهلها الناطقين بها، اي ان اللغة تنهض بنهوض اصحابها وتتخلف بتخلفهم.
العلماء الذين يأخذون بمدرسة النطق، يقولون وانا اؤيد ذلك- ان اللغة والثقافة متغيران، لكنهما متغيران تابعان، اي انهما متأثران بمتغيرات مستقلة، لذلك يجب ان لا نتوهم للحظة اننا لو كنا نحن مخترعي الراديو لوجدنا كلمة او نقطة عربية تعبر عن هذا الجهاز، ولو اننا كنا نحن مخترعي التلفزيون والكمبيوتر والانترنت لوجدنا من لغتنا الفاظا تعبر عن هذا وسيستخدمها الاخر، ولكن وباعتبار نهوض الاخرين واختراعهم لهذه الامور سنضطر- عمليا لاتباع لغتهم.
احد الحضور
ورد في صفحة 10 قضية مهمة الا وهي قضية »التخلف والتخاذل الذي لحق بالامة العربية التي اكتفى علماء اللغة فيها بالاشتغال بعلوم اللغة والتحدث في عبقريتها دون السعي الحثيث لتطوير الية تعلموا بها«
يتخرج من جامعاتنا متخصص من قسم اللغة العربية ونجد انه ضعيف ويخطئ ولا يستطيع ان يقدم هذه اللغة ويعلمها بشكل سليم.
وقد درجت مناهج التربية والتعليم في تعليم اللغة في وقتنا الحاضر على اخذ نص ومحاولة اثارة مجموعة من القضايا النحوية والبلاغية حول هذا النص، دون وجود اسس واضحة يتم البناء اللغوي عليها لدى الطالب.
فنحن نتوجه لهذا حتى نصوب اللغة، وهي اداة رئيسة للثقافة، فما هي البرامج والخطط والمقترحات لتحقيق ذلك؟
ورد بنفس الصفحة عبارة »نحن لم نسلم بحد السيف، ولم يعربنا احد، بل عربنا نحن انفسنا، لنفهم القران، ونؤدي الصلاة بلغة القران العظيم«.
نحن نعاني من مشكلات تعلم اللغة، وبالتالي نخشى ان نفقد عروبتنا، ما دام اننا لم نعرب انفسنا بتعلم اللغة.
الاستاذ قدري النابلسي:
حتى ما نبقى نأخذ دور المدافع عن اساسيات حياتنا ومقومات وجودنا، والبديهيات وحتى ما نشغل انفسنا في التدليل على امور تعتبر من الابجديات، اتساءل من لا يعتز منا بلغته؟ ومن لا يفخر بها؟ من منا لا يدرك ان التخلف بدأ بعد فصل الطاقة العربية عن الطاقة الاسلامية؟ من منا يشك في قدرة لغتنا على استيعاب كل جديد؟
لا اريد ان اتحدث بالتفاصيل عن الاشتقاق، ولكني استعير من الوهن الذي مر به الاستاذ المحاضر، ساكنه النصوص، ساكنه الاثار، واضيف: اللغة العبرية وهي بجوارنا ينطبق عليها هذا الوصف، ولكنها مع ذلك اصبحت اليوم لغة الدولة العبرية في كل مناحي الحياة وانشطتها المختلفة، انها لغة مندثرة، وقد عفى عليها الزمن ومع ذلك جددت، اما نحن بروحنا الانهزامية، وتخلفنا على كافة الاصعد، صرنا نشك بقدرة لغتنا ونخجل منها.
سؤالي هنا: كيف يجب علينا ان نحافظ على لغتنا؟ كيف نواجه الهجمة الشرسة على لغتنا؟ لماذا نتقن اللغة الاجنبية ولا نتقن لغتنا؟ لماذا نرهق اطفالنا بلغة اجنبية منذ السنوات الاولى في الدراسة وفي المحصلة لا يتقن الطالب اللغة العربية والاجنبية؟ دائما المغلوب يقلد الغالب.
د. علي العتوم:
لي ملاحظة على قضية التنقيط في اللغة العربية (او النقط):
اولا: اللغة العربية تعتمد بدرجة كبيرة على اهتمامنا بهذه اللغة، وعلى حبنا لها وللقران بالدرجة الاولى، ولذلك اخواننا الاعاجم في الحقيقة سبقونا في الاهتمام باللغة العربية والتأليف لانهم كانوا يعتبرون اللغة العربية جوهرة من جواهرهم، كالقران الكريم فهذا ابن قتيبة وهذا سيبويه.
ثانيا: ان المسألة مسألة سياسية وقرار سياسي: يبدو ان السياسيين في بلادنا لا يريدون ان يهتموا بالدقة ويعطوا للغة العربية الاهمية، انما التوجه الى اللغات الاجنبية وانا مع الاهتمام بها ودراستها كلغة رديئة، فمن اراد ان يعمر فلعيمر بيته اولا.
اما اللغة العربية اسميها احيانا باللغة (الربانية) لانني اتصور ان الله رعاها على عينه بحيث ستكون لغة اعظم كتاب ولغة الانسانية، هذه الانسانية التي ارتضى الله لها هذا الدين العظيم، وطالما تحدثنا في مجامع اللغة العربية، ان المسألة سياسية كنت اسمع من الدكتور طوقان قبل خمس عشرة سنة ان بلاد الصين تعطي علامات وزيادة في الرواتب على من يتكلم بلغتهم اللغة الصينية، وقد سمعت من احد سفرائنا عندما ذهب الى فرنسا فكلم »شارل ديغول« باللغة الانجليزية فغضب وقال انت عربي وانا فرنسي، لماذا تكلمني بالانجليزية، وعندما كنت في مؤتمر »داكار« قبل اسبوعين ومررنا بمطار »ديغول« بفرنسا، وكان بعضنا يتكلم باللغة الانجليزية فلم يكن حتى العمال يردون عليهم الا نجاحتهم بلغتهم اعتزازا بها.
فاللغات الاجنبية هي لغات حديثة عمرها (400 سنة) وهي لغة صعبة واحيانا لا تسطيع ان تفهمها حتى لو جئت لمختص، في حين تمتاز اللغة العربية بالسهولة والتطور بحيث يستطيع- حتى طالب المدرسة- ان يفهم لغة امرؤ القيس مثلا.
ثالثا: قضية التنقيط اراها من معجزات اللغة العربية وهي مجال لـ (حك الذهن) لخلاف اللغة الاجنبية. وشكرا
احدى الحاضرات:
اثني على ما قاله د. علي عتيقة، واريد ان اقدم ملاحظة ليست قطرية او قومية، فمدينة حلب السورية هي المدينة التي ما زالت قابضة على اللغة، قبضها على جوهرة ثمينة مستندة اليها، محترمة لمفرداتها، لنثرها، لشعرها، حفظ اهلها عليها قراءة وكتابة واحتموا بقرآنها، فجاءت تفاسيرهم المتعددة للقرآن الكريم.
بما ان اللغة هي الجدار الاستنادي للامة، واذا كانت وعاء الفكر وحاضنته التراث فيه وبلا شك مرآة للامة، تعبر عن حالها، فإذا انحدرت الامة تنحدر لغتها، واذا علت الامة تعلو لغتها.
اننا اليوم وبما نحن عليه من تدهور على مختلف الصعد، فلنعترف بأن لغتنا الجميلة في خطر، وقد ابتذلت على اكثر من لسان وغزتها العامية في اكثر من وسيلة اعلامية، وكنت اتمنى لو انهى الباحث ورقته الطويلة في التحدث عن وسائل الدفاع عن اللغة كمبادرة رد على تغيير المناهج واستهداف اللغة بالذات بهذا التغيير.
نقطة اخرى: من وسائل التربية في العالم المتحضر، على الطفل ان يتقن لغته حتى سن الثانية عشر وبعدها يتقن اللغات الاخرى، هل اجيالنا القادمة ستكون قادرة على كتابة ورقة واحدة باللغة العربية حتى بأخطائها؟
د. تيسير
لأن هناك كلاما قيل عن ضرورة الاهتمام باللغة، فأحب ان اشير الى الدور الذي قامت به الصحافة العربية عبر تاريخها في جعل اللغة مقبولة ومفهومة عندما تنتقل من صورة تحتاج معها الى القواميس والى اللغة السهلة المستساغة المفهومة، وقد لعبت الصحافة العربية عبر تاريخها دورا مهما في تكريس نوع من اللغة الفصحى البسيطة السهلة التي تعطي للغة مقدرات او قدرات كبيرة تمنحها الحياة والاستمرار وتحبب القراء والمستمعين لها.
اما بالنسبة للبربر فهناك تناقضات كبيرة طبعا، ان ابن بادس كان بربريا وكان عظيما ومولود قاسم الذي اشرت اليه كان بربريا ايضا، وفريق اخر من البربر خرج في مظاهرات يقول : »تسقط اللغة العربية«.
لعل اهم اشكالية نعيشها بالنسبة للغة العربية هو اننا نخجل بها، وقد عشت في الجزائر استاذا في جامعتها ثلاث سنوات، ووجدت الزملاء الجزائريين المعربين لا يحبون الحديث باللغة العربية، ويميلون الى الحديث باللغة الفرنسية، علما بأنهم يجيدون العربية اجادة كاملة، بل انهم يدرسون معربين- في القسم المعرّب.
حتى ان العامية التي يتحدثون فيها خليط عجيب باللغة الفرنسية، اذ ان الفصحى هي التي توحد العرب، وهي التي يمكن ان يفهمها الانسان العربي من (اغادير في المغرب) الى (خورفكان في رأس الخيمة).
عودة الى الصحافة، ان الصحافة كان ينشر بها اخبار من نوع:
وقف الامير بن النجلين كالنسر بين الجناحين
اين منه اجتماع البدر في الفرقدين
اعتقد ان الصحافة اليوم لعبت دورا في اغناء اللغة، اتت لنا بمفردات كثيرة معربة اصبحنا نتحدث عن كمبيوتر، جالاري، هذا اغناء للغة، اما ان اللغة تعبر عن قوة الامة فنعم، ان الفرنسيين مذهولين من زحف اللغة الانجليزية الى لغتهم وهم يعيشون لغتهم الفرنسية ويشكلون مجالس للحفاظ عليها، خوفا من اللغات الاخرى، ماذا نفعل نحن في العالم العربي؟ اننا نخجل من لغتنا، وان الحديث باللغة الاجنبية يعني ميل الى الرقي وادعاء الارستقراطية علما بانها والله لغة قادرة- كما قال احدهم- على نقل ادق الاحاسيس والمشاعر وانها قادرة على نقل افكار افلاطون وحتى العاب الاطفال.
احد الحضور
1- فيما يتعلق بعنوان الورقة، كنت اميل الى عنوان »اللغة العربية اداة الثقافة العربية الاسلامية« وليس كأداة للثقافة، لانها جعلت هذا الامر معمما، وجعلته تشبيها ولم تعطه توكيدا.
2- كمنهجية للورقة، كان من الممكن ايضا ان نراوح بين ماذا نقصد بالثقافة ومحتواها وخاصة في بعدها الانساني والفكري والمعرفي، ثم بعد ذلك نحاول ان نوقف كارتقاء في مفهومنا اللغوي، ما هو دور اللغة العربية في هذا البعد الثقافي؟ حتى يكون ايضا ما هو موجود كمحتوى للورقة منسجم مع عنوانها مع تقديري للجهد المبذول فيها.
3- مسؤوليتنا تجاه اللغة العربية هي ليست مسؤولية تخصيصية، بمعنى انها لا تقع فقط على عاتق من يتكلمون اللغة العربية كوظيفة بل ان مسؤوليتها- يعني اللغة العربية- مسؤوليتنا جميعا بغض النظر عن التخصص.
4- ان دورنا في اللغة في الوقت الحاضر يرتبط مع دورنا في نمو الحضارة العربية الاسلامية، فما هو دورنا في هذا النمو؟ اعتقد ان دورنا اذا كان ليس قويا- مصيريا- فإن دورنا في اللغة سيكون ايضا مرتبط ذلك.
5- اللغة هي رسالة السماء، وهي في القران في متناول كل قارئ وحفظ القران يتبعه حفظ اللغة العربية، وبالتالي اللغة الفصيحة هي جامعة كل العرب وهذا ما دفع الجامعة العربية ان تتفرع عنها لغات اخرى ولا اقول لهجات اخرى- كما هو الحال في اللغة اللاتينية التي تفرعت عنها اللغة الفرنسية والايطالية والانجليزية. ولغات اخرى.
6- موقفنا من اللغات الاخرى يجب ان يكون موقفا عدائيا اذا امتلكنا ناصية اللغة العربية، فمن الضروري ان نتعلم اللغات الاخرى مع مراعاة ان نمتلك ناصيتها.
7- كنت اود ان يشار في الورقة الى دور غير المسلمين من العرب في موضوع اللغة العربية وفي اسهاماتهم فيها لان ذلك يعزز الانتماء الحضاري لغير المسلمين من العرب في ظلال اللغة العربية.
صالح البوريني/ رابطة الادب الاسلامي
1- اتوقع ان مصيبتنا هي اقالة اللغة العربية ليس فقط فن التعليم في المراحل المتقدمة الجامعية، وانما من التربية لأن الابن الذي يتلقى اللسان العربي وهو حديث السن ينشأ عليه، لذلك بحاجة ماسة الى ان تدخل اللغة العربية- عن طريق القران- الى كل بيت، حتى ينشأ الجيل الصاعد الصغير على لغة القران.
2- هناك نقطة تتعلق بما ذكره د. علي العتوم عندما قال- بما معناه- »حياة اللغة مرتبطة بقرار سياسي، اطرح سؤالا ما هي مسؤوليتنا نحن امام القرار السياسي؟ اعتقد ان التحدي يظل قائما ونحن يجب علينا ان لا نستسلم امام هذا القرار السياسي الذي يمنع هذه اللغة من دورها.
3- اتمنى ان اسمع جوابا للسؤال الذي طرحه د. تيسير، لماذا نخجل بلغتنا؟
احد الحضور:
تفضل احد الاخوة واشار الى اننا نحاول ان ندافع عن اللغة، في الواقع اننا نحاول ان ندافع عن جهلنا باللغة، وجهل البعض باللغة، وعدم الالمام بها ومعرفتها احيانا يجب ان نطوع اللغة، اللغة هي اللغة بجزالتها، مغبأتها، بما فيها من ثراء فكري.. الى غير ذلك.
اما سؤالي فهو: لماذا يجب ان لا نطوع انفسنا للغة؟ لماذا لا نعطي لغتنا الجهد الكافي للالمام بها؟
البعض يشير الى صعوبة اللغة العربية، وانا اقول اللغة العربية ليست صعبة، فلا يمكن ان توجد مفردة واحدة لا يمكن ان نجدها في قاموس، او ان نسأل عنها، هذه اللغة التي يشار الى صعوبتها كان يتحدثها العربي، ونحن عرب، فانقطاعنا عنها وعدم تواصلنا معها، وبحثنا عن تسطيحها وتبسيطها، هو الذي جعلها صبعة في نظرنا كما اشار الاستاذ علي عتيقة، بأننا حتى اذا اتصلنا بفندق، فحتى يرفع من قيمته فانه يجاب عليك باللغة الانجليزية، ولغتنا غنية وقادرة، وكما تفضّل بعض الاخوة فنحن لا نقلل من اهمية تعلمنا للغات الاجنبية، بل يجب ان نثري اللغة العربية ايضا بما يمكن ان ندخله من لغات اخرى حتى تبقى نامية متجددة ومتطورة بامور الحياة كافة.
فالمشكلة ليست في اللغة، والذين يشكون من اللغة لا يقصدون ما كان يتحدث به العرب في العصور السابقة والجاهلية، بل يقصدون حتى ما نتحدث به هذه الايام.
اللغة التي نتحدث بها هذه الايام اعتقد بأنها لغة عامية، وليست اللغة العربية التي يقصد بها كلمات غريبة او جافة او بعيدة عن التناول، هكذا كانت احتياجاتهم للغة، وهكذا كانت اللغة مسايرة لمتطلبات حياتهم، ونحن علينا ان نرقى الى هذه اللغة، وان نتعلم هذه اللغة وان نلم بها لتصبح بسيطة واقل لها حتى مما يزيد من المستوى المطلوب.
احد الحضور:
نحن كررنا كلمة »كأداة« وفي في العربية صحيحة ليست خطأ، صحيح عندما نقول: نحن عربا افضل من ان نقول كعرب، لكنكم لم تتفقوا على »دور« وكررتموها كثيرا، وهلي ليست عربية انما هي ترجمة عن المسرح الانجليزي يلعب دورا وفي العربية »يلعب يلعب« ليس لها معنى غير اللعب.
على اية حال اللغة العربية لغة مقدسة، ودعونا ننتفق على انها سنة بدليل:
* عندما لحن اعرابي امام الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ارشدوا اخاكم فقد ضل.
* وكذلك امر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه امر ابا موسى الاشعري ان يضرب كاتبه سوطين لانه اخطأ او لحن.
* هناك ايضا تجربة طبية اقيمت على الحيوانات وعلى الانسان وفق الاصوات التي تعبر عن الرغبات، فوجد ان في دماغ الانسان جهاز يختص باللغة، وان هذا الجهاز يبدأ عندما يتحدث الانسان باللغة العربية بنشاط اكبر، وليس بالضرورة ان يكون الانسان عربيا حتى يعمل هذا الجهاز فهو ينطبق على الفرنسي والصيني والايطالي.. الخ ولا غرابة في ذلك فقضية الاشتقاق في اللغة العربية متاحة اكثر منها في اللغات الاخرى مثل غسالة وثلاجة.
* من خلال التجارب العالمية للغات نجد انه- وعلى سبيل المثال- »مار سيتو« وهو عالم لغوي عندما جاء الى اللغة الصينية واختار الخانية تسمى هذه اللغة بخمسة اربعات (44484) حرفا وصوتا اختصرها الى (000,10) حرف ورفض ان يكون هناك بديلا لها.
المواطن الياباني، يحتاج الى (3) الاف حرف حتى يقرأ الجريدة اليومية، ومع ذلك لم يستبدل اليابانيون لغتهم.
الكوريون (000,10) حرف وعندما استقلت كوريا لا يوجد واحد يتحدث اللغة الكورية فلجأ الى الفلاحين وكبار السن حتى يعلموا الناس اللغة ولم يستبدلوها بلغة اخرى.
ورغم قيمة هذه اللغات الا انها ليست في عظمة اللغة العربية، فهي مقدسة وسنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
احد الحضور:
هل يمكن ان نتحدث عن اللغة كاستراتيجية بتحديد قضية محددة تواجهها كتحدي؟ مثلا استعمال الانترنت من قبل هذا الجيل العربي المسلم، ما هي نقاط القوة والضعف؟ واين نحن ذاهبون بهذه اللغة.
رد الاستاذ عبد الله على التعقيبات:
جزاكم الله خيرا من هذه المداخلات والتعقيبات المفيدة لنا جميعا، الغنية بمعلوماتها وهي تحتاج الى جلسة وسهرة علمية طويلة حتى يفضي كل اخ بما في بما في نفسه حول هذه القضية المهمة، فكل سؤال وكل كلمة وكل تعليق يحتاج الى كلام مسهب وطويل.
ولعله تقام ندوة حول اللغة العربية، وتثار حولها كل هذه القضايا وشكرا لكم جميعا.
منقول عن :
http://www.al-liwa.com/Sections/Defa...1408&sec_id=41
المفضلات