حكاياتٌ وراءَ الجدرانِ

...1..
وَقدْ ُسرقَ العُمرُ..

في جنباتِ هذا البيتِ لا يُرى إلا السكونُ والأسى ،
لكن في تلكَ اللحظةِ سادَ سكونُ الموتِ،وصدمةُ الحقيقةِ ..
في نظرةِ هذهِ الزوجةِ يُعرفُ معنى الضعفِ والانكسارِ ،وفي وجهِها يبوحُ الصمتُ راسمًا تجاعيد عمرٍ دُفنَ فيه الحلمُ والأملُ..
جذبَتهَا الذكرياتُ فبنَتْ بينَها وبينَ نظراتِ النائحاتِ حاجزًا ،فغاصَت في صمتِها لعلَّها تتحسسُ ذكرَى تبردُ قلبَها المقهورَ ،فلم تجدْ إلا أطلالَ حلمٍ ،وبقايَا امرأةٍ ...
فثارَت دموعُ الحسرةِ والذلِ كشلالٍ اندفعَ يحطمُ كلَّ ساكنٍ يقفُ أمامَه ،
وحاجزُ الصّمتِ يتمنى لو ينطقُ ويصرخُ ليتساءلَ عنْ عمرٍ قدْ سُرقَ ،وحلمٍ تسربَ وتبددَ منْ عشٍ صغيرٍ إلى سجنٍ كالكهفِ المهجورِ ،هجرَه دفءُ السعادةِ فصارَ كلُّ مَا فيهِ باردًا كبرودةِ الشتاءِ ،وجفَّتْ العاطفةُ فقتلَها الصّمتُ والإهمالُ...
تستوقفُ نفسَها وتقولُ:

هأنَا ..بعدَ عشرين عامًا،يموتُ ويرحلُ وأظلُّ أنا كما أنا وحدي ،بلا ولدٍ.. وبلا حلمٍ ..وبلا عمرٍ..
اختلسَ مني زهرةَ العمرِ ،ورحلَ ..
رضيتُ بالمُقايضةِ ،الطعامُ والكساءُ مقابلَ زوجةٍ بكيانٍ مهلهلٍ
وقلبٍ ميتٍ .
فلقبُ مطلقةٍ، مَا هوَ إلا سيفٌ يسلطُ على منْ تسولُ لها نفسُها أنْ تتحررَ من سجنِ الأنانيةِ والهجرانِ،فيظلُّ يقطعُ منها كلّ يومٍ قطعة حتى تموتَ رويدًا رويدًا إلا أن تُنقذَ بزوجٍ آخر ولكنَّ اللقبَ ما زالَ محفورًا ،يطاردُها أينَما كانَت.
ففاقَت من حزنها لتشعرَ بأيادٍ تضغطُ على يدِها فتنتشلها من صمتِها،وأخرى على كتفِها ،ونظراتُ الشفقةِ تحنو عليها.
تركْنَها ورحلْنَ يتجاذبْنَ أطرافَ الحديثِ ،كلُّ واحدةٍ تردُّ على الأخرى..
فقالَت إحداهُن:لهَا حقٌ أن تحزنَ وتبكي ،
فَقدْ كانَ نعمَ الزوجُ!
لم نره إلا حاملا مَا لذَّ وطابَ !
ولم نسمعْ منهما صوتًا أو شكوَى..!