وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي العزيز الأديب والشاعر الكبير أحمد رامي
أشكرك على زيارتك هذه الصفحة , واطلاعك على الموضوع , كما أشكرك على تعقيبك حتى ولو اتفقنا في بعض ما طرح واختلفنا في بعض آخر, لأن هذه هو منطق الإجتهاد وتبادل الرأي الذي يمكن أن يقودنا لمعرفة أسرار هي مازالت غائبة عنا , وغابت عن كثير من المستشرقين الذين حاولوا معرفة أسرار اللغة العربية , وأسرار البلاغة القرآنية وأسرار الشعر العربي الذي نشأ مع نشوء اللغة العربية.
والسر في أن العرب كانت تتحدث الفصحى بطلاقة ووفق قواعد معينة , وتقول الشعر حتى في أحاديثها اليومية , بالرغم من أن العرب كانوا أميين يجهلون القراءة والكتابة إلا نزر يسر منهم.
والسر في موهبة العرب في السمع والإصغاء والحفظ بطلاقة ثم نقل المسموع وروايته دون أخطاء , وهذا ساعد لاحقا في انتشار الإسلام بطريقة غير مباشرة وانتشار حفظ آيات القرآن الكريم المنزلة على نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم , وروايتها بعض لبعض دون أخطاء, إلى أن انتشر التعليم بين أوائل المسلمين في تعلم القراءة والكتابة بعد واقعة بدر واشتراط النبي الأعظم على أسرى قريش أن يعلم كل واحد منهم القراءة والكتابة لعشرة مسلمين لقاء حريته.
والبلاغة التي جاءت في آيات القرآن الكريم فاقت البلاغة التي كانت تسود الشعر العربي, لأنها بلاغة إلهية بينما الشعر بلاغة بشرية ,حتى ظن كفار قريش بأن هذا أيضا شعر , واتهموا النبي الكريم بأنه شاعر وساحر حتى نفى الله عز وجل عنه هذه التهمة , ولم يعرف عن النبي أنه كان يقول الشعر ولا حتى يقول بيتا صحيحا, رغم أنه كان يتمتع بموهبة حفظ آيات القرآن الكريم وهي موهبة منحها الله له ليحفظ ويتلو ما ينزل عليه لينشر الدعوة الإسلامية.
أما الشعر والعروض , فكلنا نعرف أن الشعر موجود بقواعده وأصوله قبل أن يأتي الفراهيدي ليكتشف أصول بناء الشعر العربي , لكن التساؤلات هنا كثيرة :
- هل غطى الفراهيدي كل الشعر العربي ؟ أم اكتفى بما ينسجم مع الدوائر الخمسة التي وضعها ؟
- هل أهمل بعضا من الأوزان الشعرية لأنها لم تقع ضمن دوائره ؟
- هل أقحم أوزانا في العروض اعتمادا على أبيات يتيمة يشك حتى بقائليها ؟
- لماذا أهمل بحر المتدارك بالرغم من ظهوره مع شقيقه المتقارب في دائرة واحدة , رغم أن الدائرة لا تكتمل إلا بهما ولا تسمى دائرة إلا بهما ؟
- هل اعتراضات من اجتهد بعده صحيحة خاصة ما طرحه الأخفش وبعض العروضيين الآخرين ؟
ثم نأتي للعصر الحديث , ونطرح أيضا تساؤلات معينة :
- لماذا اعتمدنا بحر المتدارك ؟
- لماذا وافقنا على الشعر الحر ؟
- لماذا أبقينا الموشحات والفنون الكثيرة التي ظهرت بعد الفراهيدي ضمن فنون الشعر العربي ؟
- لماذا أجزنا الشعر الشعبي والذي اختلف من بلد عربي لآخر ؟
- لماذا نتهم كل من يحاول البحث وإثارة التساؤلات أو اقتراح بحر أو وزن معين بأنه يخرج عن قواعد الفراهيدي , بل ويحاول تحطيمها ؟
- ألم يوجد الشعر العربي قبل الفراهيدي ؟ وإن كان وجد قبله فلماذا نعتقد بأنه غطى كل شاردة وواردة ؟
- لماذا لا نعتمد على أصول بناء الشعر العربي والتي اكتشف أسسها الفراهيدي , ولا أعني هنا البحور والدوائر بل ما أنتجها , وهي التفعيلات والأوتاد والأسباب , وقاعدة التدوير التي اعتمدها؟
أنا وافقت مرة على وضع كل شيء على طاولة البحث في محاولة للوصول إلى الحقيقة , فلماذا لم يستجب أحد من المعترضين ؟
أما اعتراضات الأخ الفاضل الدكتور ضياء الدين أو الأستاذ المبدع خشان خشان , فأنا أخي العزيز أكن لهما كل التقدير والإحترام , وأرى في اعتراضاتهما محفزا لي للإستمرار فيما بدأته , وعتبي فقط هو في أسلوب الإعتراض أو التهم التي تلقى جزافا أو في التشهير بأسلوب بعيد عن أسلوب الحوار الهادئ البناء.
في الإجتهاد هناك نتيجتان إما أن ننجح في التوصل إلى نتيجة إيجابية أو نتوصل إلى نتيجة سلبية , لكن في كلتا الحالتين هي حالة ثقافية أدبية صحية.
أما رفض الإجتهاد فيثير شكوكا وتساؤلات أكثر من ذي قبل.
في معارضتك أخي العزيز فيما يتعلق بالوقوف على المتحرك ووجوب تسكينه عند التوقف , كان تساؤلا في الموضوع ,
وللتوضيح إن كان الشطر ينتهي بحرف متحرك في ( فعولُ ) فالحركة لن تلفظ بل سيكون الحرف ساكنا عند التوقف في نهاية الصدر.
لأننا إن أجزنا انتهاء الصدر بحرف متحرك فهذا سيؤدي إلى إخلال في بقية البحور , والقول بأن هذا في القريب فقط يحوله إلى حالة شاذة , والشذوذ لا يؤخذ به. لأن الرد علي كان في الإشباع أو مواصلة الصدر بالعجز وهذا لم تقله العرب. كما أن الإشباع لا يجوز إلا في التصريع لأنه حتى الضمائر التي جاز إشباعها فهو جائز أيضا في الحشو.
وأنا أتفق معك في موضوع اللفظ وهو ما عرضته , حين نقف لا نحرك آخر حرف.
إذن ما فائدة الحرف المتحرك الآن . هذا يختلف عن الوقوف في الشطر , والمتحرك هناك متحرك ويسكن عند الوقوف , لكن في العروض , فالأعاريض في جميع البحور عدا بعض الشذوذ تنتهي بساكن كتابة ولفظا , لأنه لا يجوز التحريك في أواخر مخارجها.
وأعيد سؤالي أيضا في ( فعولُ ) إن وقفت وسكنته فهو ليس خطأ وإن حركته وسكت فهو خطأ , إذن علي أن أوصل الشطر الأول بالثاني , فهل هذا هو الشعر العربي ؟
ثم أخي العزيز أنا لم يكن هذا جوهر الموضوع لأنه قابل للنقاش وببساطة يمكن أن أسقطه , لكنني واصلت الحديث فيه لأنني اضطررت لذلك حتى طلب مني أن آتي بشعر ونظمت على وزنه. لكنني تعودت من إخوة أعزهم وأحترمهم جر الموضوع إلى طروحات جانبية والإبتعاد عن جوهر ما طرحته , وهذه ليست المرة الأولى.
وكم مرة سألت أيضا من يدعوني للتقليد الأعمى للفراهيدي , لماذا يعتمد بحر المتدارك أو الخبب ؟ وما سبب إهمال الفراهيدي لهذا البحر ؟ ولم أحظ بإجابة.
بينما كان هذا بحد ذاته موضوعا يجدر البحث فيه. وهنا أيضا أسأل هل يحق لمن اعتمد البحر السادس عشر والذي اهمله الفراهيدي أن يدعي تقليده الأعمى للفراهيدي ويطالب أي مجتهد بالإلتزام بمنهج الفراهيدي , أليس هذه مغالطة كبيرة وواضحة ؟
وعلى أي حال جوهر الموضوع الذي طرحته في المتقارب هو مشكلة الخرم في أول أبيات المتقارب , كما طرح العروضيون الأوائل إجازته في الأشطر الثانية.
وأنا قلت رأيي أن هذا الخرم سيقلب المتقارب إلى بحور أخرى بعضها ليس موجودا أصلا في البحور والدوائر المعروفة , إذن ماهي ؟
هنا علينا أن نتوقف ونتحاور , هل ما عرضته صحيح ؟
هل الخرم إذن ظاهرة يجب أن نقرها أو نلغيها ؟
أم نتمسك برأي يقول لا وألف لا لأن الفراهيدي لم يتعرض لها ؟
هل علينا أن نقلد الفراهيدي تقليدا أعمى كما قيل لي ؟
أم نبحث عن الحقيقة.
وسأوجز أيضا :
1 - عولن فعولن فعولن فعولن
أليس هذا ( مستفعلن فاعلن فاعلاتن ) أو ( مستفعلن فاعلاتن فعولن ) ؟
2 - عولن فعولن فعولن فعِلْ
أليس هذا ( مستفعلن فاعلن فاعلن ) أسمته نازل الملائكة الموفور
3 - عولن فعولن فعولن فعولْ
أليس هذا ( مستفعلن فاعلن فاعلان ) تذييل للموفور
4 - فعولن فعولن فعْ
أليس هذا ( فعولن مفاعيلن ) مشطور الطويل ؟
5 - فعولن فعولن فعولن فعْ
أليس هذا ( فعولن فعولن مفاعيلن ) يمكن أن ينتج من تدوير لتفعيلة سباعية وتفعيلتين خماسيتين.
الشعر العربي مازال فيه أسرار كثيرة .
ونحن مازلنا نطالب بالتقليد الأعمى لما وصلنا من قواعد للعروض,
نحن ولدنا مسلمين , فهل هذا يمنع أن نبحر في مفاهيم ديننا , ونبحث بتاريخنا الإسلامي لكن بما لا يحيد عن الثوابت المذهبية, وإلا كيف سنفهم مبادئ ديننا وندافع عنها ؟
تقبل أخي فائق تحياتي وتقديري وبارك الله فيك فيما تفضلت به من رد وتعقيب
تدعوني فيه لمواصلة البحث ... فعسى أن نصل لبعض ما خفي علينا.
المصدر: ملتقى رابطة الواحة الثقافية - القسم: العرُوضُ وَالقَافِيَةُ
المفضلات