د. سعد الصويان من بين من قرأت لهم في الشعر النبطي هو الأعمق تناولا للشعر النبطي.
على خلفية بعض الحوارات الأخيرة رأيت أن أدعو المتحاورين إلى هذه الوجبة على مائدته العامرة.
يستعمل د. صويان - و + للدلالة على 1و2 وقد قمت بنقل ذلك إلى صيغ الرقمي أي ( - =1) و ( + = 2) و ( - + = 1 2 = 3 )
http://www.saadsowayan.com/Publicati...Book3/C04.html
وتحتل النماذج القديمة من الشعر النبطي موقعا وسطا من الناحية العروضية بين الشعر الفصيح والشعر النبطي، وهي بذلك تشكل حلقة الاتصال (أو الانفصام، إن شئت) بين هذين الموروثين. لقد بلغ مجموع ما قمت بتقطيعه من نماذج الشعر النبطي القديم 129 قصيدة عدد أبياتها 5126 بيتا كلها نظمت على بحور الشعر الفصيحة ما عدا ثلاث قصائـد متبادلة بين جبر بن سيار في مراسلاته الشعرية مع جبينان ومع خليل بن عايد التي قيلت على بحر المسحوب. وهكذا نجد أن النظم على بحر المسحوب كان من أول التغيرات التي طرأت على عروض الشعر النبطي، وهو بحر مشتق من الطويل. فلو أننا أخذنا شطرا من الطويل:
فعولن/ مفاعيلن/ فعولـن/ مفاعيلن 3 2/ 3 2 2/ 3 2/ 3 2 2 وأجرينا عليه زحاف الخرم، وهو حذف المقطع القصير في بداية الشطر، وكذلك علة الحذف، وهي حذف آخر مقطع طويل في آخر تفعيلة فإننا نحصل على 2 2/ 3 2 2/ 3 2/ 3 2 ثم أعدنا عنقدة المقاطع دون أي تغيير في عددها وترتيبها لحصلنا على تفعيلات بحر المسحوب 2 2 3/ 2 2 3/ 2 3 2.
أما ما عدا بحر المسحوب فإن النماذج القديمة من الشعر النبطي نظمت كلها على بحور الشعر الفصيحة ولا نجد فيها أي أثر للبحور التي استجدت لاحقا في الشعر النبطي والتي لم تكن موجودة أصلا في شعر الفصحى. ( لكننا أيضا لا نجد في هذه النماذج أي أثر للبحور الفصيحة التي قلنا إن تفعيلاتها تتضمن متواليات غير ممكنة في الشعر النبطي مثل بحر الوافر والكامل والبحور الخمسة المستخرجة من دائرة المشتبه. ) ربما يعني ذلك أن البنية المقطعية في لهجة وسط الجزيرة كانت آنذاك قد تغيرت لدرجة لم تعد تسمح باستخدام هذه البحور.
وتختلف عروض الشعر النبطي في عصوره المبكرة عما آلت إليه في العصور المتأخرة من حيث أن المراوحة بين النطق الفصيح والنطق العامي في القصائد القديمة جعل توالي مقطعين قصيرين فيها أمرا ممكنا [ يعني 1 1 ه = 3 ] ، لكنها لا تسمح بأكثر من ذلك [ يعني لا تسمح ب 1 1 1 ه = 1 3 ] ، وهي بهذا تختلف عن الشعر الفصيح الذي قد يصل عدد المقاطع القصيرة المتتالية فيه إلى ثلاث مقاطع [ يعني 1 1 1 ه = 1 3 بل إن منَعلن = 1 1 1 1 ه أي أربعة متحركات متوالية] . وعلى خلاف الشعر النبطي المتأخر فإن تتالي المقاطع القصيرة فسح المجال أمام تفشي الزحافات في الشعر النبطي القديم، وإن بصورة تختلف بعض الشيء عن زحافات الشعر الفصيح. وهذا ما سيتضح لنا في الأسطر التالية.
كما أن من أهم السمات التي تميز الشعر النبطي في عصوره المتأخرة ازدواج القافية، أي استقلال الشطر الأول من كل بيت من أبيات القصيدة بقافية يختص بها وتختلف عن قافية الشطر الثاني، وكذلك التطابق التام في الوزن بين الشطرين بحيث لا يوجد أي فرق مقطعي بين آخر تفعيلة في الشطر الأول، العروض، وآخر تفعيلة في الشطر الثاني، الضرب. أما النماذج القديمة فإنها تتفق مع شعر الفصحى في الاكتفاء بقافية واحدة دون وجود قافية للشطر الأول من البيت، وفي أحيان كثيرة تختلف تفعيلة العروض عن تفعيلة الضرب بزيادة أو نقص في المقاطع.
أهم البحور التي نظمت عليها قصائد النبط القديمة بحر الطويل. وعدد القصائد التي قطعتها من هذا البحر 79 قصيدة عدد أبياتها 3067 بيتا، أي ما يعادل حوالي 60% من مجموع أبيات الشعر النبطي القديم، مما يعني احتفاظ البحر الطويل في الشعر النبطي القديم بنفس الأهمية التي كانت له في الشعر الفصيح حتى حل محله بحر المسحوب في العصور المتأخرة. (وشعراء النبط المتأخرون يعتبرون بحر الطويل من أصعب البحور ولا يستطيع النظم عليه إلا الشعراء الفحول، بل إن لحن الهلالي، وهو اللحن الذي يغنى عليه بحر الطويل على الربابة، يعد من أصعب الألحان ولا يجيده إلا المهرة من عازفي هذه الآلة ). وتنعكس صعوبة هذا البحر في الاضطرابات العروضية التي نلاحظها في القصائد التي نظمت عليه في الشعر النبطي القديم والحديث على حد سواء.
(وبحر الطويل هو البحر الوحيد من بين بحور الشعر النبطي الذي لا يزال حتى عصرنا هذا يعاني من الزحافات والعلل التي كادت تختفي من بقية البحور. ويصعب الحكم أحيانا ما إذا كان الخلل الإيقاعي الذي نلاحظه على القصائد النبطية المنظومة على بحر الطويل مرده إلى الزحافات والعلل التي تخضع لنظام يمكن صياغته على شكل قواعد عروضية أم أن مردها، بالنسبة للنماذج القديمة، إلى التصحيف والتحريف، أم أنها، بالنسبة لشعراء النبط المتأخرين، اضطرابات عشوائية ناجمة عن صعوبة النظم على هذا البحر وفقدان الحاسة الإيقاعية التي تضبط وزنه. ومما يزيد المشكلة تعقيدا أن الزحافات والعلل في الشعر النبطي لا تحكمها نفس القواعد التي تحكم زحافات الشعر الجاهلي وعلله، مما يعني أن علينا أن نسعى إلى اكتشاف هذه الزحافات والعلل وبلورة قواعدها العروضية وصياغتها صياغة منطقية. وفي تقطيعي لأبيات القصائد النبطية القديمة التي نظمت على بحر الطويل (وعلى غيره من البحور) اعتبرت أن أي اضطراب عروضي لا يتكرر حدوثه في أبيات أخرى مجرد شذوذ أو خطأ لا يدخل في عداد الزحافات والعلل لأن الزحافات والعلل ظواهر عروضية تتكرر وإن كانت نسبة التكرار تتفاوت فيما بينها. )
وبحر الطويل في الشعر الفصيح له عروض واحدة مقبوضة (القبض حذف الخامس الساكن) تتحول فيها مفاعيلن 3 2 2 إلى مفاعِلن 3 3 وثلاثة أضرب هي الصحــيح مـفاعيـلن 3 2 2 والـمقبوض مـفاعِـلن 3 3 والمحذوف (الحذف حذف سبب خفيف من آخر التفعيلة) فعولن 3 2 والزحافات التي يتعرض لها بحر الطويل في الشعر الفصيح هي:
الخرم (حذف المقطع القصير في بداية الشطر) 3 2 > 2 2
القبض (حذف الخامس الساكن): فعولن > فعولُ 3 2 > 3 1
مفاعيلن > مفاعِلن 3 2 2 > 3 3
الكف (حذف السابع الساكن): مفاعيلن > مفاعيلُ 3 2 2 > 3 2 1
الثرم (الخرم والقبض معا): فعولن > عولُ/فعْلُ 3 2 > 2 1
أما الزحافات والعلل التي يتعرض لها بحر الطويل في الشعر النبطي فإنها تختلف عن تلك التي يتعرض لها في الشعر الفصيح، وهي أكثر تنوعا وتعقيدا. تأتي ضروب بحر الطويل في الشعر النبطي على وزن فعولن وعلى وزن مفاعِلن، وهذا هو الغالب، ولم أجد إلا قصيدة واحدة ضربها على وزن مفاعيلن، وهي قصيدة السمين في مدح بركات الشريف ومطلعها: لمن طلل بين الخمائل والخالي. وخلافا لما هو عليه الحال في الشعر الفصيح يمكن اختزال ضروب بحر الطويل في الشعر النبطي إلى مجرد مقطع واحد طويل 2، كما في قول رميزان:
لمثلك في ترك الجواب جواب.....كذلك في ترك العتاب عتاب؛
أو قول أحمد الوايلي:
على الناس دالوب الزمان يدير.... وخيل الليالي بالفجات تغير.
أما العروض فإنها قد تأتي متطابقة في شكلها مع هذه الأضرب وقد تأتي على أشكال أخرى مثل فاعِلن 2 3 كما في قول عبدالرحيم المطوع:
خليلي إلى شافن تبسّم واستحى.... ويضفي على الوجه السميح غطاه؛
ومثل فاعلْ 2 2 كما في قول جري الجنوبي:
وتلقى بها راعى الذوابه جالس....حم الاشافي في وجانه نيل.
ويتفق الشعر النبطي مع الشعر الفصيح في أنه يلزم التقيد بنفس التفعيلة في ضرب القصيدة من أول بيت فيها حتى آخر بيت، بينما يختلف عنه في أنه يمكن للعروض في القصيدة الواحدة أن تتغير وتتخذ أيا من الأشكال الستة التي ذكرناها.
هذا ما يحدث بالنسبة لما تتعرض له التفعيلة مفاعيلن من زحافات وعلل حينما تحتل موقع العروض أو الضرب، أي الموقع الرابع في آخر الشطر. أما مفاعيلن التي تحتل الموقع الثاني فإنها قد ترد صحيحة 3 2 2 وقد تختصر إلى 2 2 2، وهذا شكل من الزحاف لا نظير له في الشعر الفصيح.
وتفعيلة فعولن التي تحتل الموقع الثالث قبل العروض أو الضرب يمكن أن تأتي صحيحة 3 2 أو مقبوضة فعولُ 3 1. أما فعولن التي تأتي في بداية الشطر قد تأتي صحيحة 3 2 وقد تأتي مخرومة 2 2 وقد تأتي مقبوضة 3 1 وقد تختزل إلى 3، وهذا أيضا شكل من الزحاف لا نظير له في الشعر الفصيح. وإذا كان العروض أو الضرب مختزلا على شكل مقطع واحد طويل 2 يمكن أن تأتي فعولن التي قبلها على شكل مفاعلُ 3 1 1، وهذا أيضا شكل من الزحاف لا نظير له في الشعر الفصيح. وقبض فعولن سواء في موقعها الأول قبل مفاعيلن أو في موقعها الثالث قبل العروض أو الضرب مفاعيلن أو فعولن أو مفاعلن يؤدي إلى تتالي مقطعين قصيرين. وإذا أخذنا في الحسبان كل هذه الإمكانيات الزحافية التي تؤدي إلى توالي مقطعين قصيرين في بحر الطويل وحصرنا متوالياتها المحتملة الحدوث فإننا نحصل على هذه الأشكال:
3 1 - 3 2 2
3 1 - 3 2
3 1 - 3 3
3 1 1 / 2
وتتالي مقطعين قصيرين يأتي إما نتيجة النطق الفصيح للكلمات التي يقع عليها الزحاف أو نتيجة وجود مقطع مذال قبل المقطع القصير. فلو تفحصنا مثلا قصيدة عامر السمين في مدح بركات الشريف لوجدنا أن النطق الفصيح للكلمات يعني تقطيع بعض أشطر القصيدة بشكل يؤدي إلى توالي مقطعين قصيرين مثل نطق كلمة طَلَلٍ وكلمة الخمائِلِ في قوله: لمن طَلَلٍ بين الخمائِلِ والخالي، والتي نقطعها هكذا 3 1 - 3 2 2 - 3 1 - 3 2 2 أو نطق كلمة حَسَنٍ وكلمة الكواكِبِ في قوله: بنو حَسَنٍ مثلُ الكواكِبِ إن بدت والتي نقطعها هكذا3 1 - 3 2 2 - 3 1 - 3 2 ، أو قوله:
ولا حَسَبٌ إلا وأنتَ لَهُ والي،
أو قوله:
رَحَلْنَ وَخَلَّفْنَ الهمومَ على بالي.
ومن الأمثلة على إذالة المقطع الطويل كلمة قلاه وكلمة الإله في قول ابن رشش:
صدود الفتى عن من قلاهْ خَيار.... ولا عن مقادير الإلهْ فَرار،
والتي نقطعها هكذا 3 2 - 3 2 2 - 3 1 1 / 2 [ه] . وأحيانا يتردد الباحث بين اعتبار أن توالي المقطعين القصيرين جاء نتيجة الإذالة أو نتيجة النطق الفصيح. ففي الأمثلة التي أوردناها من قصيدة السمين لا مجال فيها للتردد ولا بد من نطق الكلمات المشار إليها نطقا فصيحا لكن المثال الذي أخذناه من قصيدة ابن رشش يمكن أن نرد توالي المقطعين القصيرين فيه إلى النطق الفصيح للكلمتين المشار إليهما لكنني آثرت أن أرده إلى الإذالة لأن جو القصيدة العام عامي قح ونطقها مغرق في العامية التي يغلب فيها التسكين.
بل إننا أحيانا نتردد أثناء التقطيع بين الإذالة وبين النطق الفصيح اللذين يؤدي أي منهما إلى تتالي مقطعين قصيرين وبين النطق العامي الذي يدمج المقطعين القصيرين في مقطع واحد طويل وفق القواعد الصوتية التي سبق شرحها. خذ مثلا مطلع قصيدة لرميزان الذي يقول:
لمثلك في ترك الجواب جواب....كذلك في ترك العتاب عتاب.
يمكننا أن ننطق نطقا فصيحا الكلمة الأولى في الشطر الأول بتحريك الكاف هكذا: لِمِثْلِكَ، والكلمة الأولى في الشطر الثاني أيضا بفتح الكاف هكذا: كذلكَ، مما ينتج عنه توالي مقطعين قصيرين في بداية الشطر. كما يمكننا أن ننطق كلمة الجواب في الشطر الأول وكلمة العتاب في الشطر الثاني نطقا فصيحا بفتح الباء أو مذالا بتسكينها مع فتح جيم جواب وكسر عين عتاب لنحصل في أي الحالتين على مقطعين قصيرين. وبناء على ذلك يصبح تقطيع الشطرين هكذا:
3 1 - 3 2 2 - 3 1 1 / 2 . لكن لو لجأنا للنطق العامي وسكنّا الكاف الأخيرة في لمثلك وفي كذلك ثم أسقطنا كسرة عين عتاب وسكنّاها حسب النطق العامي وألحقناها بالحرف الأخير من الكلمة التي قبلها لتشكل معها مقطع طويل فإن تقطيع الشطر الأول من البيـت يصبح:
3 2 - 2 2 2 - 3 1 1 / 2 وتقطيع الشطر الثاني يصبح 3 2 - 2 2 2 - 3 2 / 2 . ولا نستطيع أن ندمج المقطعين القصيرين في نهاية الشطر الأول في مقطع واحد طويل لأن النطق العامي لا يجيز حذف فتحة الجيم من كلمة جواب وتسكينها (للمزيد من الإيضاح حول هذه المسألة انظر ما ذكرناه عن حذف حركة الفتحة والكسرة). وهكذا نحصل في بداية الشطر على المتوالية 3 1 - 3 2 2 سب النطق الفصيح وعلى المتوالية 3 2 - 2 2 2 حسب النطق العامي. أي أن الخيار بين النطق الفصيح والنطق العامي يعني عروضيا الخيار بين أن نجري الزحاف على فعولن وتبقى مفاعيلن صحيحة أو أن تبقى فعولن صحيحة ونجري الزحاف على مفاعيلن. هذا في بداية الشطر أما في نهاية الشطر فإن الخيار بين النطق الفصيح والنطق العامي يعني عروضيـا الخيـار بين3 1 1 / 2 أو 3 2/ 2. ويمكننا أن نقول بعبارة أخرى إن الخيار بين النطق الفصيح والنطق العامي يعني عروضيا الخيار بين توالي مقطعين قصيرين أو دمجهما في مقطع واحد طويل. والشرط الذي يقيد فك المقطع الطويل وتجزئته إلى مقطعين قصيرين هو أن لا يحدث ذلك بجوار مقطع قصير حتى لا ينتج عن ذلك توالي ثلاث مقاطع قصيرة. وسوف يتضح لنا في الأسطر اللاحقة أن ما ينطبق بهذا الخصوص على بحر الطويل ينطبق على البحور الأخرى.
--------------------
إنتهى النقل وقد أعود للتعليق على بعض ماء ورد على ضوء الفصيح.
المفضلات