بسم الله الرحمن الرحيم
تناغم إيقاع الترتيل مع مشهد التنزيل
صوّرت سورة النازعات مشهد الذين لا يؤمنون بيوم البعث والحساب حين ترسل نفوسهم للاقتران بأجسادهم فتجف قلوبهم وتخشع أبصارهم وقد أخبرنا الله تعالى بحالهم وأقوالهم في هذه السورة الكريمة ، وقد استوقفني إيقاع أقوالهم، وأعرض هنا ما توصلت إليه عسى أن يكون فيه فائدة ننتفع بها عند تعظيم هذا الكتاب الكريم.
قال تعالى:
قلوب يومئذ واجفة * أبصارها خاشعة * يقولون:
*إنا لمردودون في الحافرة
/*/*//*/*/*//*/*//* 2 2 3 2 2 3 2 3
مستفعلن مستفعلن فاعلن (السريع) وقرئت بهمزة استفهام فيكون مخزومًا
* أإذا كنا عظامًا ناخرة (نَخِرَة)
///*/*/*//*/*/*//* 1 3 2 2 3 2 2 3
فعلاتن فاعلاتن فاعلن (الرمل)
*قالوا :
(تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)
(/*///*/*//*/*//* ) 2 1 3 2 3 2 3
عولُ فعولن فعولن فعو (متقارب مخروم)
قراءة الثلاثة وشعبة ورويس: ناخرة
ويقرأ الباقون : نخرة
ويقرأ أبو جعفر بلا همزة استفهام في الآية الأولى فيكون إيقاعها على السريع التام، ويقرأ فاصلة الآية الثانية (نخرة) ويبقى إيقاع الآية الثانية على الرمل,
ومن يقرأ الاستفهام الأول بهمزة يبقى إيقاعها على السريع التام المخزوم.
والخلاصة أن إيقاع الآية الأولى على السريع والثانية على الرمل والثالثة على المتقارب .
ويعبر كل قول عن إيقاع منتظم تتفاوت فيه نسبة الأسباب إلى الأوتاد
فالنسبة في القول الأول 5/ 3 وفي الثاني أقل 4/ 3 وفي الثالث أقل 3/3
وكلما قلت النسبة دلت على نبرة كلامية أشد ولذلك يعبر إيقاع المتقارب عن شدة التوتر العصبي لقائله بعد تيقنه من الخسارة المفجعة.
وأما القول الأول فعلى إيقاع السريع (الأكثر أسباباً) وهو الأكثر تعبيرًا عن وجيف القلوب وتسرع الكلام والحركات.
وأبلغ التعبير عن ذلك برز في اختيار كلمة (لمردودون) ذات المقطع الصوتي المكرر(دودو) فنحن نعبر عن صوتي القلب بتعبير (دُمْ دُمْ) فاستبدل الميم بواو مدية تعبيرًا عن حالة الهلع من جهة وعن تتالي حقبتي الراجفة والرادفة المسببة لهذا الهلع، ولو استعمل مرادفًا لهذه الكلمة مثل كلمتي : لراجعون أو لعائدون فلن تعبرا صوتيًا عن الحدث المرعب وحالة الهلع,
وكأن إيقاع ترتيل الآيات الكريمة موسيقى لغوية تترافق مع مشهد الحدث المصور بيانيًا.
والله أعلم
المفضلات