قصيدةُ (الوجع الشهي)
من بحر [الكامل]

عاتبت فاسمع يا حبيب عتابي
وكتبت فاقرأ لوعتي وكتابي

وطرقت أبواب الحياة لعلني
أروي عطاش تساؤلي بجواب

كم كان يلزم يا حبيب لتنطفي
روحي ويذبل في يديّ خضابي

مذ غاب طيفك والقلوب بلاقع
وحياء حزني مرودُ الأهدابِ

ومحاجري غيم عصرت بروقها
كي يستوي نجمي وَسُوق شبابي

وأعرتُ عيني عين كلّ متيّمٍ
بسخين دمعٍ نازف وعذاب

وتَنهدَتْ لو لم تكن مسلوبةً
روحي.. ومهدورًا رحيق رضابي

مخروسة شفتاي تخشى شدوها
والناي مصلوب على الأبواب

طرق النوى بابي وألهب أضلعي
بفتيل وجد مُشعَل وثقاب

حتى إذا بزغ الضياء حسبتني
شبحًا توارى في رثيث ثياب

كيف السبيلُ؟ بلابلي قد شرّدت
بجنائني.. وغدون كالأغراب

وجداولي جفت فلا ماء يراق
فارتويه.. ولا ندى العُنّاب

صفصافتي منحورة أغصانها
وظلالها تاهت على الأعشاب

ومناجلُ الهجران أهدت نخلتي
شرخًا تمدّد في إهاب شعابي

وسماء قافيتي توارى ظلّها
وتقشعت آلامها بسحاب

ظمئت حروف الوجد فوق دفاتري
وترنّحت في بُعدهم أكوابي*

وأنا أنا المزروع فوق مواجعي
لا العمر أسعفني ولا تغرابي

أنا حارس الآلام سادن دمعها
مذ برعم الوجع الشهيّ ببابي

مذ أرضعوني اليتم من صدر الهوى
حتى اشرأبت بالفطام رحابي

عكفتْ على مصّ الهجير جوارحي
والروح تُسقى من دنان سراب

يا أيها الوجع الشهي أتيتني
نارًا تؤزّ لنورها أحطابي

إني أتيتك أصطلي.. فلتحرقن
ما أبلتْ الأيام من أثوابي

أنا لحنك المفقود أوّل نوتةٍ
عزفت لحون كهولتي بشبابي

أنا شهقة الأرض الجريحة أدمنت
غضب الرجيع إذا دنا بشعابي

عصفت بي الأيام حتى أتقنت
حزني.. وعجّلت الهموم ذهابي

ومضيت والدربَ الطويل وأدمعي
والعمر كَرْمٌ، والجراح خوابي

في حلكة الليل السقيم يهزّني
شوقٌ إليك.. فأصطلي بغيابي

تهفو إليك الروح تتلو وردها
قدّاس عشقٍ طاف بالأعتاب

سئم الطواف لغير حبّك مرّة
فقباب عينك منبري.. محرابي

وهواك سهم في فؤادي سلّهُ
طول الجوى، وفراقكم كحرابِ

والذكريات مشانقٌ قد عُلّقت
بيد الغياب.. وحبلها سردابي

أهواك.. لا أدري أجئت فرادسًا
أم فيك حتفي.. لوعتي وعذابي💔

ما عدت أعرف أين تسري أنجمي
أو يستفيق النور خلف حجاب

منذ اعتنقتك والفؤاد قوافل
ودروب روحي تستحثّ إيابي

لم أدر وجهتها.. أضعتُ خرائطي
شدّت* إلى عينيك رحل ركابي

ما بين أوطان تمزّق ثوبها
وطنين نبض حائر مرتاب

وجراح آمال نبتن بغربتي
رقصت على أوجاعهن ربابي

شاخت زهور العمر حتى احدودبت
وتصحّرت فيها ربا اللبلاب

لم يبق من عطر يضوع بروضها
والجدب وحش يستبيح هضابي

يا حارس الوجع المهيب وحسبنا
إما عتبت كففت عنك عتابي

لو كان للأوطان باب مغلق
لوقفت عمري طارقا للباب

ووقفت انتظر الولوج بلهفة
ودخلت كـ(الأيوبِ) أو كـ (شهاب)

وطويت ثوب تغربي لو أنني
ألفيت من أمجادها جلبابي

ولقايضت روحي هواها بالدنا
ولبادلت بالتبر كف تراب

ولطفت حول مزارها متبتلاً
أدعو الإله سلامة الأحباب

يا أيها الوجع الشهي.. ألا ارعوي
وجعي لجوج ضاق عنه عبابي

#هدهدة_حرف