التجديد الوزني عند بيرم التونسي

سليمان أحمد أبو ستة


استوفى بيرم التونسي في شعره بالفصحى، من الأوزان التي ذكرها الخليل، النظم على ثلاثة عشر بحرا، هي: الطويل والمديد والبسيط والوافر والكامل والهزج والرجز والرمل والسريع والخفيف والمقتضب والمجتث والمتقارب، بالإضافة إلى الخبب ووزن دبيتي تشترك في نسقه تفعلية خليلية مع أسباب خببية لها الوزن: فاعلاتن فعلن .
ولم ينظم بيرم على بحرين هما المنسرح والمضارع.
وأما في أشعاره وأغانيه بالعامية، فإنه استخدم من هذه البحور الخمسة عشر المستعملة عنده بالفصحى، عشرة بحور، ولم يستخدم منها خمسة هي: الطويل والمديد والخفيف والمقتضب وذلك الوزن الدبيتي بعينه.

واستخدم أيضا أربعة أوزان لم يذكرها الخليل هي:
1- مربع المتدارك (فاعلن فاعلن)
2- مربع الممتد (فاعلاتن فاعلن)
3- مجزوء المقتضب الثاني (مفعولات فعلن)
4- مجزوء المقتضب الثالث (مفعولات فع)
باعتبار أن المقتضب المستعمل هو المجزوء الأول من الشكل الدائري التام.

واستخدم بيرم من الأوزان الدبيتية ثلاثة أشكال أخرى هي:
1- مستفعلن فعلن
2- مستفعلن مفعولن
3- مستفعلن فعلن فعلن

البحور التي لم ينظم عليها من شعره العامي:

فأما البحور التي لم نجد لها أثرا في شعره العامي، فأولها الطويل الذي استخدمه في شعره الفصيح خمس مرات، حيث عارض في الاولى قصيدة امرئ القيس التي أولها :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وهل يعمن من كان في العصر الخالي
فقال:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي * وجل البلايا أن يحييك أمثالي
وفي الثانية، وهي نتفة، جعل قافيتها تجرى على لزوم ما لا يلزم، فقال:
تبدل أهـل الأرض من بعد آدم * إلـــى فرق لا تستقيــــم وأجنــــــــاس
وأعجبني الموت البصير لأنه * يرى التاج مرفوعا على مثل كنــــاس
فيا أيها الطيـار لا تنـــس مرة * إذا كنت في علياك فابصق على الناس
والثالثة في قصيدة قصيرة جمع فيها بين الهجاء والسخرية والرثاء، قال في أولها:
تباكى بمنديل على قبر أمه * فأضحك من أضحى على القبر باكيا

وقد قام بتخميس هذه القصيدة مرة، وتشطيرها أخرى ولا أدري سببا لذلك إلا أنه ربما رأى هذه القصيدة القصيرة وقد ذاعت بين الناس كما ذاعت قصيدته (المجلس البلدي) فكان هذا الاهتمام منه بالتخميس والتشطير، وليشعرنا بمدى تمكنه من فنون الشعر القديم، وهو الشاعر الذي اشتهر بتفوقه في ميدان الزجل.
وأما البحر الثاني الذي استعمله مرة واحده في نتفة وردت في المقامة الليفية فهو المديد، حيث قال على خامسه:

أيها الأوباش من غنم * آكلوا الأجساد والرمم
انزلوا عن كل عالية * واقعدوا في الأرض كالصرم
وأما البحر الثالث الذي استخدمه عددا من المرات في الفصيح ولم يستعمله قط في العامي من شعره فهو الخفيف. قال بيرم متبتلا في قطعة نشرت في جريدة الزمان بتونس عام 1933 ، وهي من تام الخفيف:
قد دعاك المحزون في غسق الليل * وقد نام كل حي سواكا
ربّ أنت اللطيف بالبر والعا * صي مجيب لكل عبد دعاك
وقال على مجزوء الخفيف، وهو مما نظمه في المقامة السطوحية، قوله:
سائق الظعن خفّفِ * سق بأقصى التلطفِ
ثم عرج على الكثيب * وإن جئته قفِ
وادخل الروض غانما * والثم الورد واقطفِ
آه من لوعة الغرا * م ومن فعله الخفي
والرابع هو بحر المقتضب الذي استعمله مرة واحدة في قصيدة قال في أولها:
العبـــــــاد تلتطــــــم * والربيــــع يبتسم
أرضنا التي هرمت * واستشفها الهرم
لا تزال ضاحكــــة * لا يكيـــــدها ألم
وأما الرابع فهو البحر الدبيتي، وقد جاء به على شكل نشيد، قال:
يا مليك الخضراءْ * والمروج الغناءْ
سالمتك النـــعماء * واتقتك الحَدَثانْ
وفيها:
لك شمس تهتاج * بالنضار الوهّاجْ
ف(فاعلاتن) فيه تزاحف إلى (فعِلاتن)، والسبب الخفيف في الجزء الخببي يتحول إلى ثقيل كما رأينا.