الأخ الفاضل خشان ..
1- علينا أن نؤصل للبحر وفقاً لما هو مستخدم عليه، أي وفقاً لواقعه الشعري المستخدم، وليس وفقاً لما يمكن أن يكون قد اشتقّ منه.
• وتأصيلي للبحر اللاحق (مستفعلن فاعلن فاعلن) جاء مبنياً على واقعه الشعري.
ونظراً إلى مجيء (فاعلن) فيه على (فعِلن) سواء في الحشو أم العروض فهي (فاعلن) لاغير، سواء أوُجِد من ينسبه إلى مجزوء البسيط أم لا.
(وبالمناسبة، فإن أول من نسب اللاحق إلى مجزوء البسيط هو الجوهري وليس محمد الطويل ولا عبد العزيز الدسوقي).
وإن قولك بجواز مجيء اللاحق على (34 31 31 مستفعلن فعِلن فعِلن) وقد جاء، يدعم الرأي بأنه بحر قائم برأسه، وغير مشتق من مجزوء البسيط.
• كذلك كان تأصيلي للبحر المخلع مبنياً على واقعه الشعري.
فنظراً لمجيء (فاعلن) فيه على (مفعولن)، كان لا بد من اعتبارها (مفعولاتُ) لا غير، سواء ءَأجمع العروضيون على نسبته للبسيط – مجاراة للخليل – أم لم يفعلوا، فقد وضح الحق، وتبين الأصل بالدليل والبرهان.
• وقل مثل ذلك في السريع.
فنظراً إلى أن (فاعلن) فيه من الممكن أن تجيء على (فعِلن) ولا يصح أن تأتي على (مفعولن) فلا يمكن القول إنها مشتقة من (مستفعلن) الرجزية، وإنما هي (فاعلن) لا غير.
• بل وقل مثل ذلك في الرجز.
فنظراً إلى مجيء (فعولن) في الضرب على (مفعولن)، وهو ما لا يجوز في السريع، لذلك كان أصلها مختلف عن أصل (فاعلن) في السريع، وكان بالتالي أصل (فاعلن) في اللاحق مختلفاً عن أصل (فعولن) في المخلع.
ومن هنا جاء تمايز هذه البحور، وإن لوحظ فيها بعض التشابه.

ولا فارق عندنا بين أن يكون الاختلاف واقعاً في منطقة الحشو أم في منطقة الضرب. المهم أن الاستخدام هو الذي يحدد أصل كل إيقاع .. ولذلك فإن (الشقلبة) المشار إليها يمكن أن تُشقق إيقاعا من إيقاع، ولكن لا يعني أبداً أن يكون الإيقاعان الناتجان من أصل واحد.
2- المسألة الأخرى التي طلبت مني حكم الذوق فيها، فهي مجيء كل شطر على إيقاع مختلف. كمجيء الرجز على:
مستفعلن مستفعلن (فعولن) .... مستفعلن مستفعلن مستفعلن
(مع التأكيد على أن فعولن هنا تجيء على مفعولن).
ومجيء السريع على:
مستفعلن مستفعلن فاعلن .... مستفعلن مستفعلن (فعولن)
ومجيء المخلع على:
مستفعلن فاعلن فعولن .... مستفعلن فاعلن (مستفعلن)
(مع التأكيد على أن فاعلن في الصدر تجيء على مفعولن).
أو مجيء اللاحق على:
مستفعلن فاعلن فاعلن .... مستفعلن فاعلن (فعولن)
فهو مجيء وارد جداً، وقد يكون لا غبار عليه، ولدي بعض الأمثلة على ذلك.
ولكن لا يعني أبداً أن يكون الشطران من أصل واحد، وإنما هما إيقاعان متشابهان تمّ استخدام أحدهما في الصدر، والآخر في العجز. بدليل أنك لا تستطيع استخدامهما معا في الصدر أو في العجز، وإنما يجب التزام كل منهما في موقعه.
بل إن مثل هذه الصور مستخدمة في بحور الشعر المعروفة.
ففي صورة السريع التالية:
مستفعلن مستفعلن فاعلن .... مستفعلن مستفعلن (فعْلن)
يستخدم الشاعر إيقاعين مختلفين، حيث الصدر للسريع، والعجز للرجز. والكتابة على العجز فقط دون الصدر لا يجوز نسبتها للسريع أبداً، ولكن يجب نسبتها إلى الرجز لا غير، لأنها جزء من نسقه الإيقاعي. كقوله:
يا ربّةَ الخلخال والقرطِ .... والمطرفِ المُوشيِّ والمرْطِ
عطفاً فإني لم أحِدْ يوماً .... عن حفظ ذاك العهد والشرطِ
قفي انظري ماحلَّ بي إنّي .... قدْ ضرَبَ الأمثالَ بي رهْطي

ولا أقول هنا إن (فعْلن) مشتقة من (فاعلن).
ومثل ذلك صورة المديد التالية:
فاعلاتن فاعلن فاعلن .... فاعلاتن فاعلن (فعْلن)
الصدر للمديد والعجز للرمل لا غير. وإن الكتابة على العجز فقط لا يمكن نسبتها للمديد على الإطلاق، بل للرمل، لأنها جزء من نسقه الإيقاعي. كقوله:
سلَّ فينا اللحظَ هنديّا .... وأرانا القدَّ خطّيّا
بانَ غصنُ البانِ مذْ غنّى ... حاملاً في الروضِ قمريّا
واللّمى الممزوج بالكاسِ ... قد دعا مَيْتَ الهوى حيّا

ولا أقول باشتقاق (فعْلن) هنا من (فاعلن) كذلك..
3- المسألة الأخيرة هي الشعور أنني واقف مع أخي خشان في صحراء قاحلة، ليس فيها من يتفاعل أو يستجيب، وكأن أحداً لا يقرأ ما نقول.
فإذا كان الأمر كذلك، فأنا أدعو أخي خشان أن نتحول معاً إلى غرفة مغلقة، نكمل فيها ما نريد من نقاش!!!