ألمح في كلام أخي الاستاذ خشان أثرا من التردد لا يزال باقيا في مسألة كون الهاء رويا إذا جاء ما قبلها ساكنا وذلك في قوله :
ولو وجدنا قصائد طويلة تلتزم مثل هذين الحرفين فإننا لا نستطيع اعتبارهما او مثيلهما ردفا كالنون، وعندئذ لا بد من اعتبارهما رويا وذلك يقتضي إعادة تعريف الوصل ، أو اعتبارهما من باب التزام ما لا يلزم.
وقد دفعه إلى إصدار هذا الحكم ما وجده من أمثلة كان الردف أو الحرف الذي يسبق الروي فيها جميعا صوتا واحدا بلا تبادل بينه وبين غيره من الأصوات اللغوية .
غير أن رؤية ابن الرومي يلتزم قبل الروي حرف الواو الساكنة لا يبرحه لا يجعل من هذا الحرف رويا لأنه لا يوجد ما يمنع من التناوب بينه وبين الياء الساكنة فإذا وقع ذلك وهو جائز كما قلنا فكيف نجيز إختلاف الروي في قصيدة واحدة . ومثل ذلك يقال عن التزام صفي الدين الحلي صوت الياء ردفا ، فالأنسب أن يقال هنا إن الشاعر التزم ما لا يلزم .
ومن ناحية أخرى ، فثمة ما زادني يقينا بأن صوت النون هو أقرب من غيره إلى أصوات المد أن ابن جني كان قد لمح هذه الصلة قبل عشرة قرون في كتابه " الخصائص " حين قال :
" والنون حرف من حروف الزيادة أغن ومضارع لحروف اللين وبينه وبينها من القرب والمشابهات ما قد شاع وذاع . فألحقوا النون في ذلك بالحروف اللينة الزائدة . وإذا كان كذلك فيجب أن تكون هذه النون - إذا وقعت ثالثة في هذه المواضع - قوية الشبه بحروف المد وإنما يقوى شبهها بها متى كانت ذات غنة لتضارع بها حروف المد للينها وإنما تكون فيها الغنة متى كانت من الأنف وإنما تكون من الأنف متى وقعت ساكنة وبعدها حرف فموي لا حلقي نحو جحنفل وبابه. وكذلك أيضاً طريقها وحديثها في الفعل ألا ترى أن النون في باب احرنجم وادلنظى إنما هي محمولة من حيث كانت ثالثة ساكنة على الألف نحو اشهاببت وادهاممت وابياضضت واسواددت والواو في نحو اغدودن واعشوشب واخلولق واعروريت واذلوليت واقطوطيت واحلوليت . وإذا كانت النون في باب احرنجم واقعنسس إنما هي أيضاً محمولة على الواو والألف في هذه الألفاظ التي ذكرناها وغيرها وجب أن تضارعها وهي أقوى شبهاً بها. وإنما يقوى شبهها بها إذا كانت غناء وإنما تكون كذلك إذا وقعت قبل حروف الفم نحوها في اسحنكك واقعنسس واحرنجم واخرنطم . وإذا كان كذلك لم يجز أن يقع بعدها حرف حلقي لأنها إذا كانت كذلك كانت من الفم وإذا كانت من الفم سقطت غنتها وإذا سقطت غنتها زال شبهها بحرفي المد: الواو والألف "
لكن ما أقلقني هو قصر ابن جني لهذا الشبه بين النون وحروف اللين حين تكون النون متلوة بحرف فموي بينما الهاء التي تلي النون في القضية محل البحث هي من حروف الحلق !؟