أخي الكريم بندر الصاعدي

سعيد أنا بعودتك. وأتمنى أن تكون معنا دائما. فأنا أفتقدك كلما تم طرح موضوع غير تقليدي.

العروض الرقمي كما ترى فتّاح أبواب وكل باب يفتح يؤدي إلى أبواب. وبمقدار ما يتفاعل المرؤ معه ويعطيه من وقته وجهده بمقدار ما يفتح له من أبواب. ولهذا فأنا أعتقد أن العروض الرقمي في تطبيقاته سواء في الشعر أو سواه، يمكن أن يكون موضوع تخصص جامعي. كما يمكن لمبادئه أن تقدم ميسرة لطلاب المرحلة المتوسطة.

كثير مما تفضلت بها يمكن أن يكون موضوعا يركز عليه ويُتوسع فيه.

قولك :" - تستطيع أن تتغنى ببيت شعر دون آخر من ذات الوزن , هل يرجع السبب إلى الوزن ! طبعًا لا حسب المنطق ..رغم أنك تستطيع إنشاد جميع الأبيات" ذكرني بهذه الفقرة من الرابط:

http://www.geocities.com/khashan_kh/20-nabtee.html

3-وردفي ص.69 :"وقد يكون للقصيدة ذات الوزن الواحد عدة ألحان غنائية، ولكن ليس كل لفظ يستقيم به اللحن، بل يصلح للحن من ذلك الوزن ما لا يصلح للحن الآخر من نفس ذلك الوزن.وخذْ مثال ذلك قول ابن لعبون:
سقى صوب الحيا مزن تهامى = على قبر بتـلعات الحجاز
يعط بها البختري والخـزامى = وترتع فيه طفلات الجوازي

وقوله:

الا يا بارق يوضي جـناحه = شمال وابـعد الخـلان عني
على دار بشرقي الـبراحـة = بـقفر مـا بها كود الهبني

قال أبو عبد الرحمن:فوزن هاتين القصيدتين واحد على بحر الهزج التام مفاعيلن مفاعيلن فعولن.والقصيدة الأولى تغنى على لحن القصيدة الثانية ولكن القصيدة الثانية لا تغنى على لحن القصيدة الأولى إلا بتكلف وتصرف في نطق الألفاظ.

قال أبو عبد الرحمن :وهذه ظاهرة قد يحيط بها ذو التخصص الموسيقي، أما أنا فلا أستطيع تعليلها بعلم يقيني أثق به، وإنما على سبيل الظن أقول : هناك ظاهرتان لعل لهما أثرا في اتحاد القصيدتين في الوزن واختلافهما في اللحن

الظاهرة الأولى :اختلاف تجزئة التقطيع كما فلحن قصيدة "سقا صوب الحيا"الخاص بها هكذا:
سقا/صوب الحيا = مزن تهامى
مفا/عيلن مفا = عيلن فعولن
ولحن القصيدة المشترك هكذا:

ألا يا بارق = يوضي جناحه
مفاعيلن مفا = عيلن فعولن

والظاهرة الثانية :أنه يتفق الوزن العروضي مع اختلاف الوزن الصرفي فكلمة (تهامى) وزنها الصرفي (تفاعلْ)وكلمة (جناحه)وزنها الصرفي (فعالهْ)وكلاهما ذو وزن عروضي واحد هو فعولن.فربما أن بعض الألحان تقتضي خصوص وزن صرفي لا عموم وزن عروضي."انتهى كلام أبي عبد الرحمن.

أقول: بغض النظر عن تسمية البحر بالهزج التام أو الوافر المعصوب فإنني لا أرى في الظاهرة الأولى ما يستعصي على التلحين، فأبيات القصائد المغناة حافلة بمثل هذا الاختلاف الذي لم يحل دون سريان اللحن في سائر الأبيات مع اعتبار التنويع الذي ربما اقتضاه اختلاف المعنى لا الاختلاف في تجزئة التقطيع كمًّا.

أما الظاهرة الثانية ، فإنه لم يكن ليوجد فرق في اللحن بين القصيدتين لو أن نص الأولى كان :(سقى صوب الحيا مزن تهامتْ)بدل تهامى رغم وجود الفارق الصرفي بين تهامت في الأولى وجناحه في الثانية.ولم يكن ليوجد هذا الفارق في اللحن لو ان نص الثانية كان

:(ألا يا بارق يوضي كثيرا) بدل جناحه رغم وجود الاختلاف الصرفي بين تهامى-تفاعل في الأولى وكثيرا-فعيلا في الثانية.أما السبب فيما ذكره المؤلف فأراه يرجع إلى الفرق بين المقطع الممدود والمقطع المسكن الذين ورد تفصيلهما في الملحق التاسع عشر عند الحديث عن الفرق بين:

ألا طيري ألا طـيـري = وغني يا عصافيري
3 2 2 3 2 2 = 3* 2 2 3 2 2
وبين:مشينا مشية الليث = عدا والليث غضبان
3* 2 2* 3* 2* 2 = 3 2* 2* 3* 2 2
وهنا يصدق قول الدكتور محمد توفيق أبو علي1 بالفرق بين (با=2)و(بأْ=2*) وهو فارق في لحن العروض (آخر الصدر)في مطلع القصيدتين المتقدمتين دون أن يعني ذلك -كما يراه -ثغرة في عروض الخليل الذي لا ينبغي أن يكلف بالإحاطة بالتلحين والغناء وتأثير وقع كل حرف وتناسق الحروف وتنافرها وتجاور الألفاظ والتقديم والتأخير في بناء الجملة وربما لهجات القبائل وغير ذلك مما يعتبر دليلا على صحة عروض الخليل بانطباقه في سائر الأحوال على كل ما في هذا وسواه من فروق ومتغيرات.وليس دليلا على قصور أو ثغرة.وعودة إلى القصيدتين فالفارق يكمن في عروضيهما وبالأدق في السبب الأخير من كل منهما أي بين (مى=2 ) في تهامى و(حهْ =2*) في جناحهْ ، فعروض الأولى=تهامى=23=فعولو=فعولن ، وعروض الثانية جناحهْ= 3 2* =فعولؤْ =فعولن.فالأولى عروضها ممدود يستطيع المغني أن يمده كثيرا أو قليلا فيقترب طول مى في تهامى من حه في جناحه وبهذا تغنى الأولى بالمد على لحنها وبالقصر على لحن الثانية.ولا سبيل إلى مد (حهْ )من جناحهْ وهي مسكنة لتشابه المد في القصيدة الأولى إلا بالتكلف والتصرف في نطق الألفاظ كما ذكر أبو عبد الرحمن.وعليه فالفرق في اللحن بين هاتين القصيدتين منوط بخصوص مد أو تسكين آخر السبب الخفيف في العروض.