ما ذكرناه من ملاحظات يعطي دلالات أولية على البون الشاسع بين نموذج الخليل النظري والواقع الشعري ؛

1 - الزحافات والعلل مثلا قد يوجد بعضها في بيت من القصيدة ولا يوجد في البعض الآخر، فما يبدو فارقا بين النموذج والواقع ليس فارقا في هذه الحالة ورؤية الجامع المشترك بين هذه الصور ميزة لا عيب.

2- البحور المجزوءة وجوبا : في منهج الخليل الذي تمثله ساعة البحور ما يرد على هذه النقطة. فالبحور الرئيسة هي تلك التي تغطي محيط الدائرة وهي اثنان في كل دائرة عدا دائرة
( جـ - المجتلب ) فثلاثة ، الرجز والرمل والهزج ، وما عداها فمجزوءات ومجتثات هذه البحور. كما يفصل ذلك موضوع تكثيف العروض
3- هرم الأوزان يقدم تفسيرا لقطف الوافر . أهل الرقمي يعرفون الوزن الهرمي
الرجز التام 4 3 4 3 4 3 رمزه الهرمي ... 4 + 6 = 6 - 2
الوافر النام = 3 4 3 4 3 4 رمزه الهرمي .... 6 = 6 = 6
وهذا ممتنع في الوزن الهرمي. وهو يفسر غياب وجود بحر ناتج عن تكرار مفعولاتُ ثلاث مرات.
مفعولاتُ مفعولاتُ مفعولاتُ = 6 1 6 1 6 1 وزنها الهرمي ..... 6 = 6 = 6 وهذا ما عبر عنه الجوهري" فنقص الجوهري منها جزء مفعولات، وأقام الدليل على أنه منقول من " مستفع لن " مفروق الوتد، أي: مقدم النون على اللام؛ لأنه زعم أنه لو كان جزءًا صحيحًا لتركب من مفرده بحر كما تركب من سائر الأجزاء. يريد أنه ليس في الأوزان وزن انفرد به مفعولات، ولا تكرر في قسم منه."

وأصاب الجوهري فيما وافق فيه الخليل من عدم تكرر مفعولات ثلاث مرات وأخطأ فيما تجاوز فيه الخليل عندما استنتج من ذلك انتفاء وجودها من الأساس. ويمكن الاطلاع على تفصيل محدودية رؤية االجوهري بالنسبة للخليل من موضوع عروض الورقة.
ولم يعطنا الخليل ولا العروضيون من بعده تفسيرات شافية لما ذكرناه من تلك الملاحظات – وغيرها الكثير لم نذكره - والتي كانت ولا زالت مواضعللخلاف بين العروضيين قديما وحديثا .

للخليل تركتان:
العروض وموضوعه الأحكام الجزئية من بحور وتفاعيل وإليها دون سواها انصرف الجهد العربي عبر القرون.
(علم العروض) وهو صنو منهج الخليل الذي يتناول القواعد الكلية الشاملة لأوزان الشعر العربي. وهو ما لم يتطرق إليه أحد كما يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلةالموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها،لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضيةالتي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."

والرقمي هو أول محاولة لسد هذا الفراغ. ولهذا ندر من يفهمه حق فهمه. مع أن الخليل ترك لنا مفتاح منهجه المتمثل في دوائر البحور التي أخذت رونقها في ساعة البحور. ولو أن معشار ما بذل من جهد في تفاعيل الخليل خصص لفهم منهجه لكشف الكثير الكثير. ولا أرى الخليل يلام في عدم الاستفاضة في شرح منهجه. فها نحن بعده بقرون ولا يكاد يجد شرح منهجه من خلال الرقمي اهتماما. وأنصح هنا بالرجوع إلى موضوع الفرق بين العروض وعلم العروض

إن السير والتأمل في طريق منهج الخليل كفيل بوصل الباحث بآليات ذالك المنهج التي تجلو ما قد يعتبره البعض إشكالات فيه. ومن تلك الآليات التي أوصلتني لها رفقة الخليل :
معطيات وبدهيات وقواعد ومشتقات وكذلك نظرات في شمولية الرقمي

أزعم أن الرقمي في سنوات قليلة قد أنجز من التواصل مع فكر الخليل ومنهجه ما لم يحصل مثله طوال القرون الماضية. ولعله - إن نال الاهتمام المناسب - يخطو خطوات أوسع وأعمق.