لأني مستعجل على التعليق على موضوع أستاذنا فقد نزلت الموضوع الذي وعد به من موقعه وحملته منسقا،
ولكن تنسيق الرموز جاء - خلاف الأصل - مضطربا جدا , اعتمد أستاذنا حرف ( o ) بالانجليزي علامة للساكن . استعملت بدلا منه حرف الهاء ( ه) فاستقام التنسيق.


المبحث الخامس
الوتد المفروق وحقيقته ودائرة المشتبه

في نموذج الخليل النظري المتمثل في الدوائر العروضية وما يخرج منها من الصيغ الأصلية لأوزان البحور لا نجد اجتماع وتدين متتاليين في أي وزن منها أبدا ؛ حتى وإن كان اجتماع الوتدين في الواقع الشعري لوزن منها ثابتا في كل القصائد التي جمعها الخليل ودرسها وصنفها .

فنجده على سبيل المثال في البحر الطويل يقول أن أصل وزنه
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
//ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه
يقول الخليل أن عروض الطويل أصلها مفاعيلن , رغم أنه لم يجد عروضا واحدة في شعر العرب كله سالمة إلا في الأبيات المصرعة , وهو ما جعل الخليل يقر بذلك فيقول أن عروض الطويل في غير التصريع لا تأتي إلا مقبوضة وجوبا مفاعلن //ه//ه .

وفي أوزان أخرى مثل المقتضب فبرغم أن الغالب الأعم من القصائد تأتي كل أبياتها على وزن
فاعلن علن فعلن
/ه//ه //ه ///ه
باجتماع الوتدين المتتاليين ومن النادر أن يبدأ الوزن بثلاث أسباب متوالية ؛ ومع هذه الندرة فإن الخليل يجعل أصل الوزن
مفعولات مستفعلن
/ه/ه/ه/ /ه/ه//ه
وهكذا كل وتدين متتاليين جعل الخليل أصل أحدهما سببين , فإن وجد شاهدا واحد يتفق مع فرضه النظري استشهد به , وإن أعياه إيجاده قال أن أصل الوزن على سببين /ه/ه ولم يستعمل إلا في صورة الوتد //ه , وربما جاء بعده من يصنع مسألة ويعتبرها البعض شاهدا (1) ولكي ننهي تماما نظرية الوتد المفروق واجتماع الأسباب الثلاث المتوالية وما ترتب عليها من تعقيد علم العروض فسندخل دائرة المشتبه , ثم نعود منها للفواصل الموسيقية .

دائرة المشتبه (دائرة الوتد المفروق)

البحور المستعملة ذوات الوتد المفروق في نموذج الخليل ستة بحور استخرجها الخليل من دائرة المشتبه وصاغها كما يلي :

(1) مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن (البحر المجتث)
/ه/ه/ /ه /ه//ه/ ه/ه//ه/ه
(2) مستفعلن مستفعلن مفعو لات (البحر السريع)
/ه/ه// ه /ه/ه//ه /ه/ ه/ه/
(3) مفاعيلن فاعلاتن مفاعيلن (البحر المضارع)
//ه/ه/ه /ه//ه/ه //ه/ه/ ه
(4) فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن (البحر الخفيف)
/ه//ه/ ه /ه/ه/ /ه /ه//ه/ه
(5) مستفعلن مفعو لات مستفعلن (البحر المنسرح)
/ه/ه// ه /ه/ ه/ه/ /ه/ه// ه
(6) مفعو لات مستفعلن مستفعلن (البحر المقتضب)
/ه/ ه/ه/ /ه/ه// ه /ه/ه// ه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) في باب الزحافات والعلل سنذكر ما قاله الأخفش في صناعة المسائل (الأمثلة) في العروض قياسا على صناعتها في علوم اللغة .
في خمسة من بحور دائرة المشتبه – كلها عدا المجتث - جعل الخليل في أصل وزنها ثلاثة أسباب متوالية (1).

لكن في السريع يقول الخليل أن عروضه لا تأتي إلا مكشوفة مطوية أومكشوفة مخبولة

مستفعلن مستفعلن مفعو لات (البحر السريع)
/ه/ه// ه /ه/ه//ه /ه/ ه/ه/
/ه/ه// ه /ه/ه//ه /ه//ه المكشوف المطوي
/ه/ه// ه /ه/ه//ه /// هالمكشوفالمخبول

وبذلك فاجتماع الأسباب الثلاث في السريع ليس إلا فرضا نظريا

أما المضارع فقد أوجب الخليل المراقبة في مفاعيلن فلا تجتمع نونها وياؤها معا ولا تحذفان معا فهي إما مقبوضة أو مكفوفة

مفاعيلن فاعلاتن (مجزوء المضارع)
//ه/ه/ه /ه//ه/ه
//ه//ه /ه//ه/ه مقبوضة
//ه/ه/ /ه//ه/ه مكفوفة

وبذلك يكون اجتماع الأسباب الثلاث في المضارع ليس إلا فرضا نظريا أيضا مثله مثل السريع (2) وقد كفانا الخليل أمرهما .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سواء اعتبر الخليل من بينها ما سماه الوتد المفروق , فما نقصده نحن بالسبب هو الحركة المفردة التي يليها سكون
(2) نناقش هنا الفروض النظرية للخليل , أما منهجنا في صياغة البحور ورأينا في المضارع والمجتث والمقتضب فذكرناه سابقا .
وماذا عن الأوزان الثلاثة الباقية : الخفيف والمنسرح والمقتضب ؟

فبرغم أن الخليل يثبت الأسباب الثلاثة في صياغته لأوزانها إلا أن الأخفش يخالفه في ذلك - والواقع الشعري يؤيد رأي الأخفش - , حيث يقرر في كتابه العروض عدة أمور أهمها :

أنه لا يرى أصل مستفعلن في الخفيف إلا مفاعلن , كما أن أصل مفعولات في كل من المنسرح والمقتضب فاعلات , وأن السين والواو زائدة عنده , وأن الزيادة جازت كما جاز النقصان , وأن تمام التفعيلات يجعل الوزن قبيحا , وأن العرب بنت الشعر على مفاعلن في الخفيف وفاعلات في المقتضب والمجتث (أي أن أكثر ما تأتي على هذه الصيغة ) .

وإذا أعدنا صياغة البحور الثلاث كما يراها الأخفش ستختفي الأسباب الثلاث في هذه الأوزان أيضا :

فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن (البحر الخفيف)
/ه//ه/ ه //ه/ /ه /ه//ه/ه
مستفعلن فاعلات مستفعلن (البحر المنسرح)
/ه/ه// ه /ه//ه/ /ه/ه// ه
فاعلات مستفعلن (مجزوء المقتضب)
/ه//ه/ /ه/ه// ه

ويمكننا الآن وضع قاعدة عامة في علم العروض وهي :
باستثناء بحر الأسباب فإن كل البحور وما يتبعها من أوزان لا يجتمع في الشطر الواحد منها ثلاثة أسباب متوالية إلا وكانت ناتجة عن علة من العلل أو ناتجة عن اجتماع علة وزحاف معا .
(ويمكن للشطر الأول أن ينتهي بسبب ويبدأ الشطر الثاني بسببين لكن لا يجتمع في البيت كله أربع أسباب متوالية )
وإذا اجتمعت الأسباب الثلاث في غير الضرب وجب عدم التدوير .
وإليك مختصرا للحالات التي يأتي بها ثلاث أسباب نتيجة للعلل والزحافات :

أولا الحالات التي رصدها الخليل :

(1) مفاعيلن بالخرم * مفعولن (1)
//ه/ه/ه ← /ه/ه/ه

(2) مفاعلتن بالخرم * فاعلتن ثم بالعصب مفعولن (2)
//ه///ه ← /ه///ه ← /ه/ه/ه

(3) متفاعلن بالقطع فعلاتن ثم بالإضمار مفعولن (3)
///ه//ه ← ///ه/ه ← /ه/ه/ه

(4) فاعلاتن بالتشعيث مفعولن (4)
/ه//ه/ه ← /ه/ه/ه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* في باب الزحافات والعلل سنعرف ونقيم الخرم كعلة جارية مجرى الزحاف في كل حالة على حده , وإنما ذكرناها هنا لجمع المتشابه من حالات الخليل .

(1) كما في الهزج
(2) كما في الوافر
(3) كما في ضرب الكامل
(4) كما في ضرب الخفيف المعكوس


ثانيا الحالات الناتجة عن شق الوتد التي استحدثناها في كتابنا :

(1) فاعلن بالشق مفعولن (1)
/ه//ه ← /ه/ه/ه

(2) فعولن بالشق مفعولن (2)
//ه/ه ← /ه/ه/ه

(3) متفعلاتن بالشق مستفعلاتن (3)
//ه//ه/ه ← /ه/ه//ه/ه

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن : إذا كان الوتد المجموع يتميز بالثبات في حشو الأوزان الأخرى , كما أن ثبات موضعه بين الأسباب في مجمل الوزن هو الذي يعطي الوزن موسيقاه المميزة له ؛ فما الذي أدى لشق الوتد كعلة جارية مجرى الزحاف في حشو أوزان الخفيف الأربعة ( الخفيف , الخفيف فعلن , الخفيف المعكوس مقتضب الخفيف فعلن ) ؟
وكذلك المتوسط بوزنيه ( المتوسط , والمتوسط تعلن ) ؟

للإجابة على هذا السؤال نجمع تلك الأوزان معا لنعرف العوامل المشتركة بينها والتي أدت إلى شق الوتد الأول من الوتدين المتتاليين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما في الخفيف .
(2) كما في ضرب الرجز فعولن .
(3) كما في المتوسط بوزنيه حيث يتشكل سببين بالشق مع السبب الأخير من مستفعلاتن الأولى قبله تجتمع الأسباب الثلاث .

الأوزان التي يدخلها الشق كعلة جارية مجرى الزحاف هي:

//ه/ه// ه//ه/ ه//ه/ه الخفيف المعكوس
//ه/ه//ه //ه الخفيف
//ه/ه//ه //ه ///ه الخفيف فعلن
/ه//ه // ه///ه مقتضب الخفيف فعلن
/ه/ه//ه/ه//ه// ه///ه المتوسط تعلن
/ه/ه//ه/ه//ه//ه/ه المتوسط

• في الأوزان الستة نلاحظ اجتماع وتدين متتاليين //ه//ه يسبقهما سبب لا يزاحف /ه,

• وفي خمسة منها - ما عدا المقتضب - يسبق السبب الذي لا يزاحف وتد//ه وهو بالتأكيد لا يزاحف أيضا ,

• وفي ثلاثة منها (الخفيف فعلن و مقتضبه و المتوسط تعلن ) يتبع الوتد المقرون الثاني فاصلة ثابتة ///ه وهي الأخرى لا تزاحف , والسبب الأخير من المتوسط لا يزاحف أيضا .

كل ما سبق من الأجزاء المتتالية التى لا تزاحف يجعل مرونة الوزن محدودة للغاية , والنظم عليه يكون صعبا , لذلك يكون شق الوتد الأول المقرون عامل مرونة إضافي يلجأ إليه الشاعر للضرورة ؛ وشق هذا الوتد يسبب اضطرابا موسيقيا أقل من زحاف السبب الذي قبله .(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1) في باب الزحافات والعلل نشرح بالتفصيل في كل وزن منها لماذا لا يزاحف السبب قبل الوتد المقرون فلكل منها أسبابه .
مع ملاحظة أنه إذا تم شق الوتد لا يتم التدوير في الأسباب الثلاث , بمعنى أن تنتهي كلمة بنهاية السبب الأول من الأسباب الثلاث المتوالية لتبدأ كلمة أخرى مع بداية السببين الناتجين من عملية الشق , وهذا يؤدي لتقليل الإضراب الموسيقي الناتج عن شق الوتد

وفي باب الزحافات والعلل سنعرف أن شق الوتد في العصر الجاهلي أقل من سلامته , وفي العصور اللاحقة تقل نسبة الأوتاد المشقوقة إلى الأوتاد السالمة عنها في العصر الجاهلي .

يمكننا القول الآن أن ساكن الوتد المفروق في نموذج الخليل ليس إلا ساكن الوتد المقرون الأول بعد شقه لذلك فهو لا يزاحف (1), وأن ساكن السبب الذي يلي الوتد المفروق هو ساكن الوتد المقرون الثاني وأنه أيضا لا يزاحف خلافا لما يزعمه الخليل والعروضيون ,

وسنعرف في باب الزحافات منهج الخليل وعلماء العروض في عصره في القياس والتعميم على الجزئيات من الأسباب والأوتاد , كما سنعرف أن القياس على القواعد الفاسدة يعطي نتائج فاسدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا ما جعل الخليل يعتقد أنه وتد مفروق , فالوتد عنده هو جزء التفعيلة الذي لا يزاحف .